الاثنين المُقبل.. انطلاق منتدى الاستثمار الرياضي في الرياض    من دون هزيمة.. سان جيرمان يتوج بلقب الدوري الفرنسي    شرطة الرياض تقبض على (21) شخصًا لانتحالهم صفة غير صحيحة وسرقة المارة والمنازل    رئيس الوزراء الهندي يعتزم زيارة السعودية    فالنسيا يفاجئ ريال مدريد ويهزمه بثنائية في ملعبه    اليد الشاطئية تخسر أمام البحرين    فينالدوم يهدي الاتفاق التعادل مع القادسية    اجتماع بين أعضاء الشورى والبرلمان الأوروبي    جولات رقابية على النفع العام    ورث السعودية على الطرق السريعة    الجمارك تسجل 1071 حالة ضبط للممنوعات خلال أسبوع    «الألكسو» تدعو إلى حماية المخطوطات العربية وحفظها ورقمنتها    الفنون البصرية تطلق غدًا "أسبوع فن الرياض"    الخارجية الفلسطينية: الاحتلال قتل 17952 طفلا في غزة    دي بروين يستعد لخوض آخر ديربي في مسيرته مع مانشستر سيتي    لودي: علينا العمل بهدوء من أجل استعادة الانتصارات    الصين: سنواصل اتخاذ إجراءات حازمة لحماية مصالحنا    تعليم جازان يعتمد مواعيد الدوام الصيفي بعد إجازة عيد الفطر    موسم جدة يحتفي بخالد الفيصل في ليلة "دايم السيف"    ارتفاع صادرات كوريا الجنوبية من المنتجات الزراعية والغذائية في الربع الأول من عام 2025    «التعاون الإسلامي» تدين قصف الاحتلال الإسرائيلي مدرسة دار الأرقم ومستودعًا طبيًا في قطاع غزة    أمطار رعدية غزيرة وسيول على عدة مناطق في المملكة    أسعار النفط تسجل تراجعًا بنسبة 7%    الشيخ أحمد عطيف يحتفل بزواج ابنه المهندس محمد    الجيش الأوكراني: روسيا تنشر معلومات كاذبة بشأن هجوم صاروخي    "كريستيانو رونالدو" يعلق على تسجيله هدفين في " الديربي" أمام الهلال    النصر يحسم ديربي الرياض بثلاثية في ملعب الهلال    «سلمان للإغاثة» يوزّع سلالًا غذائية في عدة مناطق بلبنان    بعد رسوم ترمب.. الصين توقف إبرام اتفاق بيع تيك توك مع أميركا    رئيس هيئة الأركان العامة يستقبل قائد القيادة المركزية الأمريكية    "دايم السيف"... الإرث والثراء الخالد    محمد واحمد الشعيفاني يحتفلان بزفافهما بالقصيم    إمام المسجد الحرام: الثبات على الطاعة بعد رمضان من علامات قبول العمل    إمام المسجد النبوي: الأعمال الصالحة لا تنقطع بانقضاء المواسم    بلدية رأس تنورة تختتم فعاليات عيد الفطر المبارك بحضور أكثر من 18 ألف زائر    العماد والغاية    نهضة وازدهار    شكراً ملائكة الإنسانية    النوم أقل من سبع ساعات يوميًا يرفع من معدل الإصابة بالسمنة    بريد القراء    السعودية تدين وتستنكر الغارات الإسرائيلية التي استهدفت 5 مناطق مختلفة في سوريا    العثور على رجل حي تحت الأنقاض بعد 5 أيام من زلزال ميانمار    مركز 911 يستقبل أكثر من 2.8 مليون مكالمة في مارس الماضي    نفاذ نظامي السجل التجاري والأسماء التجارية ابتداءً من اليوم    المملكة تستضيف "معرض التحول الصناعي 2025" في ديسمبر المقبل    المملكة تحقِّق أرقاماً تاريخية جديدة في قطاع السياحة    ودعنا رمضان.. وعيدكم مبارك    أكثر من 122 مليون قاصدٍ للحرمين الشريفين في شهر رمضان    الملك وولي العهد يعزيان عضو المجلس الأعلى حاكم أم القيوين في وفاة والدته    المملكة تدين اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي للمسجد الأقصى    أكثر من 30 فعالية في (٨) مواقع تنثر الفرح على سكان تبوك وزوارها    بلدية محافظة الأسياح تحتفي بعيد الفطر وتنشر البهجة بين الأهالي    بلدية محافظة الشماسية تحتفل بعيد الفطر المبارك    وزارة الصحة الأمريكية تبدأ عمليات تسريح موظفيها وسط مخاوف بشأن الصحة العامة    محافظ الطوال يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك في جامع الوزارة ويستقبل المهنئين    باحثون روس يطورون طريقة لتشخيص التليف الكيسي من هواء الزفير    جمعية " كبار " الخيرية تعايد مرضى أنفاس الراحة    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بعيد الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أردوغان في ليبيا.. ورم إخواني يستهدف الشمال الإفريقي
نشر في الرياض يوم 17 - 09 - 2020

على عكس المغالطات التي يتم الترويج لها من طرف الكتائب الإلكترونية الموالية لأردوغان والمحسوبة على التيار الإخواني، فإن تدخل تركيا في ليبيا أملته مجموعة من الدوافع السياسية وأخرى اقتصادية بالنظر إلى توفر ليبيا على مخزون مهم كما وكيفاً من النفط والغاز. هذه الإمكانيات النفطية والطاقية أسالت لعاب الحاكم العثماني الجديد ودفعته إلى التدخل العسكري في ليبيا بعدما كان التدخل التركي، في السابق، محصورا على توفير الدعم اللوجيستي والغطاء السياسي لحكومة فايز السراج.
إن اختلافنا مع النهج التوسعي لتركيا لا يمنعنا من الاعتراف بدهاء شخصية مثل أردوغان والذي يريد أن يجد له موطئ قدم في ليبيا دون تكبد الكثير من الخسائر في الأموال أو الجيش، هذا المعطى يؤكده تأثر أردوغان بالعقيدة النابليونية من خلال الاعتماد على جيوش البلدان المستعمَرة، وهو ما طبقه أردوغان من خلاله اعتماده على المرتزقة السوريين الذين يخوضون حربا بالوكالة في ليبيا لا ناقة لهم فيها ولا جمل، أما الأعباء المالية للحرب فقد تحملتها مناصفة كل من قطر والبنك المركزي الليبي واللذان تعهدا بتغطية تكاليف المواجهات العسكرية مع قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
الأهداف السياسية للتدخل التركي
في ليبيا سقطت ورقة التوت عن الجميع ولم تعد خافية الأهداف السياسية لأردوغان في المنطقة والتي يمكن تلخيصها في رغبته المعلنة في إعادة إحياء الخلافة العثمانية المزعومة عن طريق وضع اليد على أحد أكبر دول إفريقيا مساحة (1,759,540 كم2) وهو ما يشكل عمقا استراتيجيا مهما لتركيا في شمال إفريقيا ومنطقة شرق المتوسط. هذا الحلم وجد هوى لدى بعض القوى الكبرى والتي لم تمانع من تمدد تركيا ووضع يدها على بعض الدول السنية كمقدمة لتحقيق توازن ديني متحكم فيه في المنطقة.
ومن بين الأهداف السياسية التركية الأخرى في ليبيا رغبة أردوغان في التواجد على الحدود المصرية وتهديد عمق القاهرة الاستراتيجي مع محاولة دعم التنظيمات الإرهابية لخلخلة الأمن القومي المصري في أفق إعادة التمكين للتنظيم الإخواني في مصر وخلق كيان سياسي يعلن ولاءه المطلق لتركيا. هذا التهديد الوجودي لمصر دفع بالرئيس عبدالفتاح السيسي إلى وضع الجيش المصري في حالة تأهب قصوى مع تحديد محور سرت الجفرة كخط أحمر يمثل تجاوزه إعلان دخول القوات المصرية إلى ليبيا لحماية عمقها الاستراتيجية وتمشيط ليبيا من تواجد التنظيمات الإرهابية التي تنشط برعاية تركية والتي استهدفت في مرات عديدة العمق المصري، وذلك بعد موافقة صريحة من القبائل الليبية وطلب رسمي من البرلمان الليبي.
إن غموض الموقف الأمريكي وعدم وضوح الموقف الروسي بالإضافة إلى محاولة فرنسا إيجاد موطئ قدم في ليبيا دون إثارة حفيظة إيطاليا وألمانية كلها عوامل ساعدت في تمادي أردوغان في محاولاته الحثيثة لوضع اليد على ليبيا مستغلا الولاءات الإيديولوجية والعرقية لشريحة واسعة من الليبيين وأيضا تضارب الموقف العربي الذي لم يقدم نفسه (مع بعض الاستثناءات) كمعني أولا وأخيرا باستقرار المشهد الليبي في منطقة شمال إفريقيا.
في نفس الاتجاه يسعى أردوغان جاهدا لإيجاد موطئ قدم على مقربة من الحدود الجنوبية لأوروبا بما يشكله هذا التواجد من ضغط على الجانب الأوروبي خصوصا في ما يخص ظاهرة الهجرة السرية والتي ما فتئ أردوغان يستعملها كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي للحصول على تعامل تفضيلي في العديد من الملفات.
ويبدو أن أردوغان مستعد لوضع أوروبا أمام فكي الكماشة من خلال السماح بتدفق المهاجرين من الغرب ومن الجنوب الأوروبي بما ينعكس سلبا على الأمن السياسي والاقتصادي والأمني لدول الاتحاد الأوروبي.
هذا الواقع الجديد الذي يحاول أردوغان أن يفرضه في المنطقة دفع أوروبا إلى التنبيه والتحذير من خطورة النشاط المتزايد لظاهرة الاتجار في البشر في ليبيا وأيضا انتقال العناصر الإرهابية إلى أوروبا وهو ما سيشكل تهديدا جديا للأمن القومي الأوروبي.
ويُذكر أن "مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان" قد أصدرت مؤخرا تقريرا بعنوان "جريمة مخزية.. تصاعد ظاهرة الإتجار بالبشر في الشرق الأوسط" حيث صنفت تركيا في المرتبة الأولى على مستوى أوروبا في جرائم الإتجار بالبشر.
أمام هذا الوضع الأمني المقلق سارعت باريس، على لسان مسؤول رئاسي فرنسي، إلى اتهام تركيا، العضو بحلف شمال الأطلسي، بخرق الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على تسليح ليبيا وبزيادة وجودها البحري قبالة سواحلها، وأكد ذات السؤول، في حديث لرويترز بتاريخ 15 يونيو 2020، أن فرنسا لن تسمح بفرض سياسة الأمر الواقع جنوب المتوسط.
في نفس السياق، حذرت مجلة "دير شبيغل" الألمانية، بتاريخ 24 مايو 2020، من خطورة "التدخل التركي في ليبيا، وتحول هذه الأخيرة إلى نقطة انطلاق للاجئين الأفارقة نحو أوروبا، وإمكانية استغلال أردوغان هذه الورقة لابتزاز أوروبا بملف اللاجئين، حيث يمثل ذلك تهديداً مباشراً لأمن دول الاتحاد الأوروبي".
الأهداف الاقتصادية لأردوغان في ليبيا:
تتميز منطقة الشرق الأوسط باحتكارها لمخزون هائل من الغاز الطبيعي يقدر بأكثر من 100 تريليون م3، بالإضافة إلى احتياطات مهمة من النفط، وتبقى كميات مهمة من هذه الاحتياطات غير مستغلة بسبب الصراعات السياسية حول ترسيم الحدود المائية للدول المطلة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط. هذا الواقع الملتبس فتح شهية أنقرة التي اندفعت نحو المنطقة للحصول على نصيب وافر من تلك الثروات النفطية والطاقية.
ولعل تسليط الضوء على ثروات ليبيا الطبيعية وإمكاناتها الاقتصادية يعطينا فكرة حول دوافع التدخل التركي في ليبيا، حيث تملك ليبيا حوالي 46.4 مليار برميل من الاحتياطات النفطية من الصنف الممتاز بالإضافة إلى احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي تصل إلى 55 ترليون قدم 3، كما أن ليبيا تتوفر على مخزون جد مهم من المعادن النفيسة وعلى رأسها الذهب والذي يتوفر بكثرة في منطقة العوينات الشرقية قرب مثلث الحدود الليبية مع مصر والسودان، كما توجد بعض الاحتياطات من المعدن الأصفر في جبال تيبستي على الجانب الليبي من الحدود مع تشاد.
في نفس السياق، تتوفر ليبيا على احتياطات جد ضخمة مِما تسمى بالأتربة النادرة أو العناصر النادرة، والتي تدخل في صناعة التقنية النووية والإلكترونية المتطورة مثل الهواتف الذكية ومكبرات الصوت، والخلايا الضوئية المستخدمة في صناعة الألواح الشمسية. ولعل سرعة دخول الصين إلى السوق الليبية جعلتها تنجح في احتكار إنتاج 90 في المئة من العناصر النادرة المشكلة من 17 عنصرا كيميائيا، وهو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية أمام تبعية مطلقة لبكين في هذا المجال، حيث تستورد منها 80 في المئة من حاجاتها، ولذلك نجد أن واشنطن تبحث لها بذكاء عن موطئ قدم في ليبيا ولو أنها تحاول أن تقدم نفسها على أنها على نفس المسافة من الأطراف المتصارعة في ليبيا.
من جانب آخر لدى ليبيا احتياطات مهمة من اليورانيوم والحديد والخامات الغير فلزية وهو ما دفع أردوغان إلى الرهان على بلاد المختار لإنقاذ الاقتصاد التركي من الانهيار الاقتصادي في ظل استمرار تراجع الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها في مقابل الدولار الأمريكي، يضاف إلى ذلك حجم الدين الخارجي التركي الذي بلغ أعلى مستوياته حيث ناهز 417 مليار دولار خلال سنة 2020م وهو ما يشكل حوالي 61.9% من الناتج القومي، فيما لم تتعد هذه النسبة 39% سنة 2002م أي قبل تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا.
وعلى مستوى الثروة السمكية فإن ليبيا تمتلك ساحل مطل على البحر الأبيض المتوسط بطول 1770 كلم ويضم ثروة سمكية جد هامة رغم أنها ليست مستغلة بالشكل المطلوب خصوصا على مستوى خليج سرت الشاسع المساحة والذي تمارس ليبيا سيادتها المطلقة عليه، وهو ما يؤكد على أن تركيز أردوغان على إخضاع مدينة سرت له ما يبرره من الناحية الطاقية والاستراتيجية وأيضا الثروة السمكية.
إن التدخل التركي في ليبيا كان الغرض منه وضع اليد على مقدرات الشعب الليبي والسيطرة على أهم مفاتيح الاقتصاد في هذا البلد المغاربي، وهو الرهان الاقتصادي الذي حلم بتحقيقه أردوغان وسخر من أجله إمكانيات عسكرية مهمة حاول من خلالها أردوغان القيام بحرب خاطفة (blitzkrieg) للانقضاض على الهلال النفطي وباقي مفاتيح الاقتصاد الليبي لتصبح ليبيا ضمن المحميات التركية بعد أن كانت إلى وقت قريب دولة قوية وذات سيادة مطلقة على كامل ترابها الوطني.
ويبدو أن التعامل الصارم لجمهورية مصر العربية ومن ورائها الدعم المطلق لدول الخليج العربي قد غير المعادلة في ليبيا وجعل هامش المناورة أمام أردوغان جد ضيق. وكما يعلم الجميع فإن خسارة الحرب تشبه الخسارة على رقعة الشطرنج عندما يفقد اللاعب حرية المناورة معلنا خسارته للحرب، خاصة وأن الموقف الأوروبي الصارم جعل هامش المناورة التركي شرق المتوسط جد ضيق، وهو ما يمكن استخلاصه من انسحاب السفن الحربية التركية التي كانت تقوم بحماية سفينة "أوروتش رئيس" (Oruç Reis) والتي كانت تنوي القيام بتجارب للتنقيب عن حقول النفط والغاز الطبيعي في المجال البحري اليوناني.
إن المأزق السياسي والدبلوماسي الذي وقع فيه أردوغان جعل موقف تركيا جد حرج خاصة بعد تأكيد الفرقاء الليبيين الذين اجتمعوا في مدينة بوزنيقة المغربية مؤخرا على رفض التدخل الأجنبي بجميع أشكاله واحترام السيادة الليبية وعلى التمسك بوحدة أراضيها وضرورة تفكيك الميليشيات المسلحة وتوحيد صفوف القوات المسلحة الليبية. كلها، إذا، مؤشرات على قرب انتهاء الدور التركي في ليبيا الذي أراد استباحة الأراضي الليبية كمقدمة لتنزيل مشاريع التقسيم كإحدى المهام التي أوكلت لأردوغان من طرف من يوجه اختيارات صانع القرار التركي وهو الموضوع الذي سنتطرق إليه في الحلقة القادمة من سلسلة حلقات حول التدخل التركي في ليبيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.