لطالما دفع العالَم الأول مؤسساته التعليمية للاتجاه نحو التعليم عن بعد - عن طريق الإنترنت - في مرحلة ما قبل جائحة كورونا، لما لهذا الأسلوب التعليمي من ميزات قد تفوق التعليم التقليدي - في المقاعد الدراسية - في ظل التقدم التقني الذي يشهده العالم في القرن الواحد والعشرين وظروفه الاقتصادية. ومع بداية تفشي فيروس كورونا حول العالم، أصبح التوجه نحو نظام التعليم عن بعد الخيار الآمن لمواصلة سير العملية التعليمية في أغلب أرجاء المعمورة. ولأن فرصة اختبار صلاحية التعليم عن بعد في مرحلة ما قبل كورونا كانت محصورة على فئة بسيطة من مجتمعات العالم - الأفراد الذين يختارون التعليم عن بعد -، وعلى تخصصات ومقررات محدودة أيضاً، فقد كان من الصعب الوصول إلى معرفة كافية حول مدى مناسبة هذا الأسلوب التعليمي لكافة شرائح المجتمع والتخصصات والمقررات العلمية، هذه المعرفة التي من شأنها المساهمة في بناء خطط مبنية على شواهد علمية للتوسع الممنهج في التعليم عن بعد في الظروف الطبيعية - مرحلة ما بعد كورونا -. وفي ظل ظروف التحول القسري للتعليم عن بعد للحد من انتشار فيروس كورونا، أصبحت فرصة اختبار مدى مناسبة أسلوب التعليم عن بعد ممكنة على مستوى يضمن تمثيل كافة شرائح المجتمع في أغلب التخصصات العلمية. مثل هذه الفرصة الذهبية ينبغي أن لا تمر دون أن نستثمرها في اختبار ما قد يكون متعذراً اختباره في أي وقت آخر. في فترة ما بين شهري مايو ويونيو 2020م، أجريت مع فريق بحثي يضم مجموعة من الباحثين من جامعة الملك سعود، وجامعة الأمير سطام، وجامعة شفيلد البريطانية دراسة على المستوى الوطني السعودي تختبر العلاقة بين الانتقال إلى التعليم/العمل عن بعد والعوامل النفسية والشخصية. النتائج الأولية لتحليل بيانات قرابة 800 مشارك/ة ( أعمارهم 18 سنة فأكثر، لغتهم الأم هي العربية، يقيمون في المملكة خلال مشاركتهم في الاستطلاع، يدرسون/يعملون عن بعد أثناء وقت الجائحة) تشير إلى أن سهولة الانتقال إلى التعليم/العمل عن بعد، والرضا عنه، والتكيف معه؛ مرتبط بعوامل نفسية وشخصية. فعلى سبيل المثال: وجدت الدراسة أن سهولة الانتقال إلى التعليم/العمل إلى العالم الافتراضي، والرضا عنه، والتكيف معه؛ مرتبطة عكسياً مع درجات القلق والاكتئاب وطردياً مع تقدير الذات. وعلى الرغم من أن الدراسة أجريت في وقت ليس بالاعتيادي بسبب الجائحة، إلا أن الدراسة تلقي الضوء على الدور المهم للعوامل النفسية والشخصية في عملية الانتقال إلى التعليم/العمل عن بعد. ولهذا، فقد يكون من المفيد جداً أن تعمل وزارة التعليم على دراسة مناسبة التعليم عن بعد لكافة المستفيدين من طلاب وطالبات الجامعات - على أقل تقدير - مراعية بذلك العوامل الشخصية والنفسية بالإضافة إلى التخصص، والمقررات العلمية، والمعلومات الديموغرافية كالعمر والجنس والحالة الاجتماعية والاقتصادية، مستغلة بذلك التحول القسري للتعليم عن بعد. مثل هذه الدراسة قد تسهم في معرفتنا لمدى مناسبة التعليم عن بعد للتخصصات والمقررات العلمية وفقاً لسمات الطالب/الطالبة الشخصية والنفسية مضافاً لها العوامل الديموغرافية، ما ينعكس أثرها على خطط التحول إلى التعليم عن بعد.