إذا كان لنا عقل فهل يعقل الوجود؟ وهل يعقله على حقيقته؟ لقد تضاربت آراء الفلاسفة في الإجابة عن هذين السؤالين أشد التضارب. إن الناس في جملتهم يعلمون أنهم يخطئون أحيانًا في الإدراك الحسي، ويخطئون أحيانًا في الاستدلال العقلي، ولكنهم يصححون أخطاءهم ويظلون على الاعتقاد بأن حواسهم آلات حسنة لمعرفة الأشياء، وأن عقلهم آلة صالحة للتصور والاستدلال. من كتاب (العقل والوجود ليوسف كرم). وعندما تفقد نبي الله سليمان الهدهد ولم يجده وقرر إنزال العقوبة علية جاه الهدهد في قوله تعالى {فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سبأ بنبأ يَقِينٍ} فلم يدرأ العذاب عنه إلا أنه برر سبب غيابه بأنه ذهب ليتأكد ويرى لا ليسمع فمن رأى ليس كمن سمع ويأتي بالخبر اليقين لملكة تعبد الشمس دون رب العالمين. فالهدهد قد أحاط بمعنى أنه رأى وشاهد وسمع وفهم، حلل فأتى بخبر يقين لا يخالطه شك. أن اختلاف الناس جسمًا ونفسًا يستتبع اختلاف إحساساتهم وأحكامهم فكيف الاختيار؟ وأن إدراكات الحس الواحد تختلف باختلاف الظروف وبعض الحقائق تبدو لنا مختلفة على حسب ما تمتزج به أو تتحد بها. فليست الحقيقة مدركة بالحس؛ لأن الإحساس بذاته خالٍ من البرهان ولا يمكن إدراك الحقيقة دون برهان فليست الحقيقة محسوسة، وهي ليست معقولة وإلا لم يكن شيء محسوس حقيقيًّا وهذا باطل. وفي هذه الأيام الحالية نمر بظرف أصعب فليس علينا أن نبرر لشخص واحد وإنما للجميع نحتاج أن نبرر أفعالنا وتصرفاتنا وحتى كلماتنا في بعض الأحيان ونقوم بتصحيح معتقداتهم عنها! ولكن هل يعقل أن نكون هكذا دوماً في دائرة الشك الذي يستوجب الدليل فلن تكون هذه حياة ولا هناك كرامة في هذه الحال إذا استمررنا فقط بالتبرير لكل أمور حياتنا وسلوكياتنا. فأصبحت سوء النية مقدمة على حسن النية في كثير من الأحيان والشك يحتاج الى اليقين بدلاً من حسن الظن مما نراه أو نسمعه ممن نقابلهم ونعتمد على ما يقولون وما يسمعون دون أن نتيقن هل هو فتنة أم نبأ عظيم! فكل أفعالك وأقوالك في نظرهم تدل على سواد عظيم في أعماقك وإن كنت فائق النقاء. هل هي معطيات العصر أم خلاصة التجارب. فأصبح في بعض الأحيان لا يمكن لشخص منا أن يقدم على فعل إلا وسبقة سوء التفكير في نياته حتى وإن كانت نياته حسنة، فقد يخطي المرء وقد يصيب فلا نحكم عليهم بسوء الظن، انظر دائماً إلى نصف الكأس الممتلئ والبحث عن علامات الخير في كل شيء وهذه مهارة لا يتقنها الأغلبية ولكن لا بد من التعود عليها. حاول أن تتمسك بأي قشة للحقيقة وأن تحسن الظن بالآخرين فكلما أساء الشخص الظن بالناس أظلم العالم وساء حوله. وكلما كان النداء تأتي الاستجابة فينزلق الإنسان في هذا العالم ويصبح الجحيم الأبدي له، أغلق أبوابك أمام الظنون السيئة والتمس الأعذار للآخرين وأنبذ هذه العادة السيئة. إِذا ساءَ فِعلُ المَرءِ ساءَت ظُنونُهُ وَصَدَّقَ ما يَعتادُهُ مِن تَوَهُّم وَعادى مُحِبّيهِ بِقَولِ عُداتِهِ وَأَصبَحَ في لَيلٍ مِنَ الشَكِّ مُظلِمِ