يواجه جيلنا تحديًا مزدوجًا يتمثّل في تلبية احتياجات العالم المتنامية من الطاقة مع ضمان بيئة مستدامة في المستقبل، إذا افترضنا أن تأثير أزمة فيروس كورونا المستجد سيكون قصير الأمد، فلا بد أن تراعي حلول تغيّر المناخ الحاجة إلى المحافظة على إمدادات الطاقة بوفرة وكلفة معقولة لمليارات البشر، ومع التوقعات بمضاعفة حجم الاقتصاد العالمي وزيادة مستهلكي الطاقة بالمليارات بحلول العام 2050م، فلا يمكننا أن نتوقف ببساطة عن إنتاج المواد الهيدروكربونية (مثل النفط الخام والغاز الطبيعي) بضغطة زر. فإذا توقفنا، توقف العالم، حتى مع النمو الكبير الذي تشهده مصادر الطاقة البديلة. لم تعد القضية تدور حول الطاقة المتجددة مقابل الوقود الأحفوري، فجميع مصادر الطاقة مطلوبة لتلبية الطلب المستقبلي. إلا أن جزءًا كبيرًا من طاقة العالم يُستهلك في قطاعات يصعب إزالة الكربون منها، مثل قطاعات الكيميائيات والإسمنت والصلب، وبما أن الطريق نحو تحقيق التوازن الكربوني سيشتمل على المواد الهيدروكربونية، فإنه يتوجب علينا أن نجد حلولًا لانبعاثات الكربون. وقد تجاوز بالفعل بعض أعضاء مبادرة شركات النفط والغاز بشأن بالمناخ، أو يخططون لتجاوز هدفهم المشترك لتقليص كثافة انبعاثات الكربون في أنشطتهم الإنتاجية، على سبيل المثال، أظهر التقرير السنوي لأرامكو السعودية، أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، أن لديها كثافة انبعاثات كربونية في قطاع التنقيب والإنتاج تبلغ 10.1 كيلوغرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل برميل مكافئ نفطي في العام 2019م. ويمكن خفض هذه الانبعاثات بنسبةٍ كبيرةٍ باستخدام مجموعة تقنيات جديدة تُعرف باسم استخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه، فهذه التقنية تخفف من تأثير الانبعاثات بشكلٍ كبيرٍ عن طريق استخلاصها قبل دخولها إلى الغلاف الجوي، وتعكف أرامكو السعودية على اختبار هذه التقنية في معمل غاز ضخم في المملكة، ويستخلص هذا المعمل 800 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا من خلال ضغطه وحقنه في أحد حقول النفط الخام، كما تختبر أرامكو السعودية تقنيات متنقلة لاستخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه، وقد جُهزت مؤخرًا شاحنة ثقيلة تستخلص 45 % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصادرة من عادمها ومن ثم تخزنها على متن تلك الشاحنة. وترى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ أن تطبيق تقنية استخلاص الكربون على نطاق واسع يؤدي دورًا بالغ الأهمية في تخفيض الانبعاثات الكربونية في المستقبل. وتقول الهيئة إنه بدون تطبيق هذه التقنيات، قد تكون تكاليف التخفيف من آثار التغيّر المناخي الاقتصادية أعلى بكثير، كما طالبت وكالة الطاقة الدولية بزيادة استخلاص ثاني أكسيد الكربون وتخزينه بعشرين ضعفًا في العقد المقبل من أجل تحقيق طموحات العالم بشأن التغيّر المناخي. ولكن كما أشار تقرير صادر من «غولدمان ساكس» مؤخرًا، لم تصل تقنية استخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه بعد إلى وفورات الحجم التي تؤدي تقليديًا إلى تحقيق انطلاقة في التكلفة التنافسية، حيث بلغت نسبة الاستثمارات في استخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه على مدى العقد الماضي أقل من 1 % من نسبة الاستثمارات في الطاقة المتجددة. لذلك، لا بدّ من بذل المزيد من الجهود لتصبح هذه التقنية مجدية تجاريًا للقطاع الخاص. وهذا أمر مهم على وجه الخصوص، لأن ما تقدمه هذه التقنية أكثر بكثير من استخلاص الانبعاثات فحسب، فقد استثمرت أرامكو السعودية في تقنية أخرى تعمل على تحويل ثاني أكسيد الكربون المستخلص واستخدامه في إنتاج بوليمرات مفيدة مثل البلاستيك، وذلك بثلث الانبعاثات الكربونية الناتجة عن إنتاج البوليمرات التقليدية، كما طوّرنا تقنية تستخدم ثاني أكسيد الكربون بدلًا من الهواء لمعالجة الخرسانة، وتخزن نسبة تصل إلى 20 % من ثاني أكسيد الكربون في مواد البناء الأكثر شيوعًا. بالإضافة إلى ذلك، أثبت باحثون من أرامكو السعودية والمعهد الكوري المتقدم للعلوم والتقنية في كوريا الجنوبية، مؤخرًا، أن تقنية تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى منتجات مفيدة تنطوي على إمكانات عظيمة. وفي بحث تم نشره، مؤخرًا، في مجلة «ساينس»، وُجد أنه يمكن استخدام ثاني أكسيد الكربون في إنتاج المواد الكيميائية والوقود ومنتجات أخرى. لذلك فإن جميع مشاريعنا هذه تدل على إمكانية إعادة استخدام الانبعاثات الكربونية وتدويرها. وهذا يعني أنه من شأن تقنية استخلاص الكربون إنشاء نظام دائري بحيث لا يصبح الكربون من المخلفات عديمة القيمة، بل لقيمًا مهمًا وناقلًا للطاقة للمنتجات المفيدة، كما من شأن اعتماد الصناعات كثيفة الاستهلاك للكربون لهذه التقنيات أن يعمل على تطوير اقتصاد دائري للكربون يُسهم في استخلاص الانبعاثات وتحويلها إلى منتجات مفيدة، ويمكن لتقنية استخلاص الكربون بإمكاناتها هذه الإسهام بشكلٍ كبيرٍ في تحقيق مستقبل نظيف ومستدام. * كبير الإداريين التقنيين في أرامكو السعودية