ثلاث سنوات وما يزال الحزن هو الطاغي على أهل الخليج وهُم يواسون أنفسهم على فقيد الفن الخليجي عبدالحسين عبدالرضا، الذي خلق لنفسه مسيرة، وهوية خلاّقة، تقوم في أساسها على الفكرة والإبداع، بون شاسع بينه وبين خلفائه في نشر الفرح. فمنذ البدايات، إلى مسرحية "مراهق في الخمسين" وغيرها، وهو يصبغ على الفن روحاً أخرى مختلفة، في إطار وطني واجتماعي إنساني، صوّر كل التضاريس الحياتية بتجرد ومتعة، ملفات كثيرة، جاءت بشكل حضاري راقٍ. "حسينوه" كما يُطلق عليه كبار الشخصيات والمجتمع الخليجي، يُعد ذاكرة الخليجيين عبر الشاشة السوداء والملونة، فمنذ بداية "التلفزيون" في الخليج العربي، والكويت تسبق الجميع في مجال الإبداع الثقافي، اقتحم فتيتها لتغيير شيء والتعبير عن فنها، ارتباط فعلي كما دونه المؤرخون، عندما احتضنت الشاشة كل من هو موهوب، هذه السنين العجاف حولها "حسينوه" وجماعته إلى نبراس يقود مرحلتهم الانتقالية من الضباب إلى ضوء الشمس والنور. يستمد "عبدالرضا" وثُلة من الشباب المبتكرين في تقديم أنفسهم على الشاشة والمسرح دون تردد، حتى وإن سبقهم قبل ذلك المطربون في قيادة الدور الريادي في إضافة وتنوير المجتمع الخليجي وتثقيفه "محمود وعبداللطيف الكويتي وفضالة" وغيرهم. هكذا كان سُلم البداية عندما ظهرت الأسماء الباهرة عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وخالد النفيسي لتعادل نفس القيمة الفنية في الدول العربية المتقدة فنياً. لم يكن الهمُ هو التهريج، إنما كان الإبداع والأفكار والمواجهة المجتمعية وحتى السياسية ذات تحول مختلف في صياغة التلفزيون والمسرح. منذ تلك اللحظة في ثورة الشاشة، بدأ المثقفون في مواجهة المجتمعات في الخليج وتصحيح عيوبها، فصارت المهمة تتضاعف ليس من أجل الضحك وإظهار جانب الفكاهة، إنما من جوانب نقدية، تعالج الإشكالات المنحرفة دون سواها. "حسينوه" الاسم الذي لخص قصة الممثل الكبير الذي عكس إمكانية المنافسة وتقديم الثقافة الخليجية بشكل عام، بالأصل ولد عبدالحسين عبدالرضا في ساحة الفن، في زمن هيمن فيه الركود ومشاهدة الآخرين، تلك الطاقة الهائلة المتحركة في التمثيل والغناء. عندما كان قادراً بموهبته أن يوصل أيّ رسالة يريدها عبر الشاشة والمسرح دون حواجز، ما دام قد كسر الأخطر والأكثر صعوبة في استمالة المجتمعات له. لقد انفجرت البداية بمسرحية "صقر قريش" عام 1961. عندما كان بديلاً عن الممثل عدنان حسين، تحت دعم ومراقبة من زكي طليمات الذي أكد الكويتيون أنفسهم أنه صنع نهضتهم المسرحية. البيئة وحدها هي التي تصنع الفنان العملاق، وهو ما حصل ل"حسينوه" فأسرته كانت تهتم بالفن ولا يُعرف إن كان هو من جذب أفرادها إلى الفن أم هم من جذبوه، فشقيقه أمير فنان مسرحي وابن عمه المطرب الكبير غريد الشاطئ "رحمهم الله". هذه الثورة الهائلة في الكويت تجلت في صورتها مع عبدالحسين عبدالرضا، بأفكاره التي تحولت إلى مسلسلات ومسرحيات وأوبريتات، محققاً نجاحاً منقطع النظير، إلى أن يصل إلى أوبريت "بساط الفقر"، الذي يبين علاقة الحب بين فتاة وفقير لا يملك من الدنيا سوى بساط يمكن أن ينتقلا به إلى أصقاع الأرض، وهناك يريان المجتمعات الأخرى كيف يعيشون، برفقة منافسيه إبراهيم الصلال ومحمد جابر، قبل أن يسرقوا ذاك البساط، ليبقى هو وزوجته في الهند حتى يصبحا عجوزين فقيرين. هذه الشراكات الفنية أسهمت في تقديم الإنسان في الخليج وثقافته وعلاقته بالمجتمعات، هذه الفكرة كانت في "عزوبي السالمية" عندما قدم نمطية الإنسان التقليدي البسيط واستغلال صديقة الانتهازي، هذا النمط من الإنسان البسيط كان منتشراً في المجتمع الخليجي. استلهم "حسينوه" نجوميته من محطاته كثيره، بينها مسرحية "باي باي لندن"، ذات الأفكار الصعبة، في تلك السنوات لم يستطع أي ممثل وقائم على الفن في الوطن العربي، أن يقدم تلك الأسطورة التي تنتقد الحياة الحياة العامة ورجال الأعمال المتسلطين، كانت نقداً جريئاً، بكوميديا مجتمعية سياسية خلاقه. والتي أسهمت بانتشار المسرح الخليجي عربياً. من إخراج المنصف السويسي مسرحياً وتلفزيونياً أخرجها كاظم القلاف الذي شارك ممثلاً في فيلم "الرسالة". كان الخليجيون يثرثرون عن "سوق المناخ" كانت أموالهم بين جنباته، إذ الطفرة المالية الهائلة، لكن عبدالحسين عبدالرضا، تصدى لها ولم يترك هذه الفكرة تغيب عنه بعد سقوطهم فيها، إذ قدم مسرحية جبارة تحمل اسم "فرسان المناخ" واكبت ظاهرة انهيار السوق ومعالجة المبادئ فيه. ثلاث سنوات تمر على المجتمع الخليجي يسترجعون بين الفينة والأخرى، تاريخ فنانهم الكبير بجرأته في "فرسان المناخ" وغيرها من المحطات. يتذكرون ما مرّ على الكويت بعد الاجتياح العراقي "الغاشم"، في تلك السنة كما يقولون، إنها نسفت أرشيفاً كاملاً لتلفزيون الكويت، الفن أولاً من يقاوم الأعداء، هذه أثبتها "حسينوه" في مسرحية "سيف العرب" مقلدًا شخصية "صدام حسين" ونشر فضائح الغزو. لكنه في الوقت ذاته، لم يسخر من الشخصية العراقية الشعبية وثقافتها. عقود ستمُر على الأجيال وستبقى ظاهرة من ظواهر المجتمع الخليجي، الذي ورّث لنا المتعة واختصر الفكرة. سيرة باذخة وعلامات بارزة في تاريخ عملقة عبدالحسين عبدالرضا -رحمه الله- أعطى فرصة لصعود الفن الخليجي على القمة من خلال إضحاكه وإمتاعه وسرعة بديهته وارتجاله، وشجاعته في طرح أفكاره.