مع تأزم الأوضاع في ليبيا، وإصرار تركيا على التصعيد العسكري، واستفزاز دول الجوار الليبي، التي تعتبر أمنها القوي خط أحمر، ولو كلفها المواجهة العسكرية لدحر مرتزقة تركيا، تسابق الجزائر الزمن لاحتواء الوضع، وتفكيك ألغام حرب باتت وشيكة في منطقة سرت وضواحيها. ولعل أكثر ما يخيف الجزائر التي تتقاسم حدودا شاسعة مع ليبيا، تردي الأوضاع على الحدود المالية أيضا، ما يشكل خطرا مزدوجا من الجماعات الارهابية، التي تستثمر في الفوضى، ليضيف عبئا آخر على السلطات الجزائرية، التي تخوض حربا ضروسا ضد كورونا التي تسجل مستويات قياسية في عدد الإصابات. وتراهن الجزائر على حلفائها من القوى العظمى، لإقناع أطراف النزاع بوقف إطلاق النار، والعودة إلى طاولة الحوار، لتكريس حل ليبي - ليبي، بعيداً عن الأطماع التركية التي تسعى لإحياء إرثها الاستعماري القديم، واستغلال الثروات الليبية في الدفع أكثر بعجلة الاقتصاد الذي تهدده أزمات داخلية. وتباحث الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الاثنين، الأزمة الليبية، وقرر الرئيسان تكثيف التشاور بما يضمن عودة السلام ووحدة التراب الليبي. وبعث الرئيس الجزائري في نفس اليوم مع وزير خارجيته، صبري بوقادوم برسالة إلى الرئيس التونسي، قيس سعيد، عنوانها الرئيس سبل حلحلة الازمة الليبية. وأكد الرئيس التونسي لضيفه على أهمية مواصلة التنسيق على جميع المستويات من أجل مساعدة الليبيين على تجاوز المحنة التي تمر بها بلادهم عبر وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة الحوار. وتعرف الجزائروتونس تطابقا في وجهات النظر بخصوص الوقف الفوري لإطلاق النار ورفض التدخل العسكري، خاصة التركي الذي يتذرع باتفاقيات مع مؤسسات تجاوزتها الاحداث، وأصبح البحث عن مؤسسات تمثل الإرادة الشعبية في ليبيا أمر حتمي، كما أكد الرئيسان الجزائريوالتونسي في تصريحات إعلامية. ويرى المحلل السياسي الجزائري، والباحث في العلاقات الدولية، بشير شايب في تصريح ل"الرياض"، أن التنسيق الجزائري - الروسي لا يمكن فصله عن ترتيبات مستقبلية للحل السياسي في ليبيا، هذا التوجه الذي بدأت ملامحه بتحديد كل طرف لخطوطه الحمراء، ونظرا لثقل الجزائر السياسي في الأزمة الليبية ومصداقيتها لدى طرفي النزاع فإن هذه المكالمة يقرأ منها نقل مقترحات جديدة أو وجهة النظر الروسية من الازمة، في حين تفهم رسالة الرئيس الجزائري إلى الرئيس التونسي برسالة التطمين وعرض مستجدات الملف الليبي الذي يهم كلا البلدين. واعتبر المحلل السياسي التونسي، عبيد خليفي عبر تصريح ل"الرياض"، زيارة وزير الخارجية الجزائريلتونس في سياق توحيد الموقف التونسيالجزائري من الملف الليبي وتعقيداته، أن التحرك الدبلوماسي التونسيالجزائري قد تأخر كثيرا مقارنة بالتحركات الاقليمية، وهو تأخر موضوعي بعد الانتخابات في تونسوالجزائر وتشكل النظام السياسي الجديد، ويبدو الحرص للتدخل في الملف الليبي ضرورة استراتيجية تتعلق بالأمن المغاربي. ورغم تضاءل فرص السلام في ليبيا، كما يؤكد المراقبون، تسعى الجزائر لحشد دعم أممي لوقف الاقتتال في ليبيا والعودة إلى مسار الحوار قبل أن تتحول طرابلس إلى بؤرة لتصدير الفوضى والإرهاب.