في مقال سابق قلت إذا لم تتوقف عن قراءة كتاب لم يعجبك ستتوقف عن قراءة كل الكتب. كان عندي هذا الداء، أنني إذا بدأت قراءة كتاب أشعر أنني ملزمة بإتمامه، كبرت وعرفت أن المسألة ليست صحيحة، وأن ما أعاني منه هو حالة هوس فقط، وأن من حقي أن أختار ما يعجبني وأن لا أكمل ما لا يعجبني، أعتبر أن هذا نضج في القراءة، لا يهم ما قال الناس عن كتاب ما، كمية المدح والإشادة لا يجب أن تفرض عليك ما تقرأ. هناك كتاب مشهورون ومعروفون وكتبهم دائماً في قائمة الأفضل والأهم، لكنني لا أستطيع أن أحمل نفسي على قراءتهم. حقي البسيط في القراءة. نحن نؤمن بكل أنواع الحريات، لماذا إذن كقراء نحرم أنفسنا من هذا الحق البسيط والبدهي. أقول كل هذا الكلام لأذكّر نفسي، لأنني أمضيت الأسبوع الماضي وأنا أقرأ رواية من 730 صفحة، وشعرت منذ الصفحات الأولى أن هذا الكاتب العظيم ليس لي. كتابه لم يجذبني، عاندت وخسرت. والآن أكتب هذا المقال كي أكرر ما قلته مرات عديدة، لا تقرأ كتاباً لا يمتعك. شرط القراءة الأول أن تستمتع، الفائدة لاحقة، أو هي لا تكتمل حقاً إلا إذا كنت مستمتعاً بالقراءة. الكتب كثيرة والعمر قصير، هذا كان رد محمد الرشيد عليّ في تويتر، وكان ردي لو تعرف كم مرة قلت لنفسي هذا الكلام وكم كتاباً عندي، وهي حقيقة، لذلك أعتبر ما أعاني منه مرضاً، يجري التخلص منه، وسأعتبر هذه الرواية التي خنقتني طريقة من طرق العلاج، بالضبط كما يفعل البعض حين يغرق نفسه بشيء ما كي يكرهه بعد ذلك، سأعتبر هذا الكتاب وسيلتي لإنقاذ نفسي من كتب أبدؤها ولا تعجبني. الوقت الذي تمضيه في قراءة كتاب لا يعجبك هو الوقت الذي تفقده في قراءة كتاب يعجبك. هذه هي المعادلة ببساطة شديدة. بل أكثر من ذلك، أنت تفقد ضعف الوقت، يمكنك قراءة كتابين أو ثلاثة خلال الوقت الذي أمضيته وأنت تغصب نفسك على قراءة مادة لا تحبها. خارج الدراسة، لا تقرأ كتاباً وأنت مغصوب. بالذات كتب الإبداع. في المطارات كنت أحياناً أتفقد الكتب، الكتب التي اخترتها بناء على الأسطر القليلة التي قرأتها وشدتني، لم أندم أبداً على اقتنائها، الكتاب الذي كتب لكم يشدكم من أول نظرة. وماذا يقول بورخيس العظيم في هذه المسألة: "لا تقرؤوا أي كتاب لأنه مشهور أو حديث أو قديم، يجب أن تكون القراءة أحد أشكال السعادة الخالصة، اقرؤوا من أجل متعتكم ومن أجل أن تسعدوا".