في الساعة الخامسة وخمس وأربعين دقيقة من يوم الجمعة الثاني من شهر يوليو خرجت روحه الطاهرة إلى بارئها في آخر ساعة من يوم الجمعة المباركة، ليظل هذا اليوم ماثلاً في ذهن جميع محبي الأستاذ فهد العبدالكريم رئيس تحرير جريدة الرياض، الذي رحل عن دنيانا بعد رحلة آلام صعبة مع المرض، عانى خلالها الكثير. لم يكن أبو يزيد مجرد إعلامي قابلته أو تعاملت معه بطريقة عادية، بل كان صديقاً صدوقاً، دمث الأخلاق، بشوشاً، ضاحكاً، متواضعاً، نصوحاً، تألفه الروح بمجرد أن تلتقيه، وتشعر معه بالألفة بعد عدة ساعات قليلة فقط. زرته في مكتبه لمدة عشر دقائق فاستمرت علاقتنا لثلاثين عاماً يهون عليك الصعب ويجعله سهل المنال، وهو لم يكن صحفياً عادياً، فقد ظل طوال حياته الصحفية يركض نحو المصداقية، والمهنية العالية، ولم يكن الفشل في قاموسه يوماً، وكان حريصاً على تحري المصدر الثقة الذي يأخذ منه أخباره قبل أن ينشر أي شيء، فهو لم يكن يحب أن تطغى الإثارة على الموضوعات دون أن يكون المحتوى نفسه مثيراً للقارئ، بما يحمله من معلومة مؤكدة، وأحداث تثري ثقافته، وتضيف إليه شيئاً يفيده بحياته. وعلى المستوى الشخصي كان رحمه الله يجمع في تصرفاته وأخلاقه كل الصفات الجميله التي يدعو لها الإسلام، فكان يتميز بالصبر والحكمة، ولا يغلق مكتبه إلا في اجتماع التحرير بالجريدة. ولم يكن من طبعه أبداً التعالي أو التعصب لرأيه أو وجهة نظره، في أي مرحلة من حياته المهنية، ومنذ أن عرفته لمستُ فيه التواضع الجم، وحب مساعدة الناس، حتى إنه لم يكن يمانع في الاتصال بأكبر المسؤولين في سبيل إنهاء معاناة مراجع، أو طالب حاجة. وأذكر أنه استمر بالاتصال بمعالي الدكتور بندر بن عبد المحسن القناوي المدير العام التنفيذي للشؤون الصحية بوزارة الحرس الوطني إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل من أجل نقل زميلنا الأستاذ معيض الحسيني من مستشفى خاص إلى مدينة الملك عبدالعزيز الطبية، وقد كانت حالته حرجة، ولَم ينم رحمه الله ليلتها حتى تم النقل واطمأن عليه. كما ذكر لي زميلي تركي منصور كثيراً من المهام التي كان الراحل يكلفه بها لإسعاد يتيم وإغاثة عائلة مكلومة في من يعيلها، وقس على هذا الكثير من العمل الإنساني الذي كان يمارسه في حياته على مدار اليوم. أما عن تعامله مع الزملاء والمحررين أو الصحفيين فكان نعم القائد والمعلم والأستاذ، فقد كان رحمه الله يدفع من معه لإنجاز العمل ببشاشته وروحه المعنوية العالية، وليس بالأمر، كما كان يراجع العمل بنفسه بعد إنجازه، ويضيف إليه الكثير من الأمور الفنية التي تجعله يخرج في أجمل صورة، وقد كان منظماً في عمله دقيقاً لأبعد حد، واعياً بالأهم والمهم، ومنذ أن يدخل مكتبه إلى أن ينتهي الدوام يكون قد أنجز ما خطط له منذ بداية اليوم. ومن أكثر الأشياء التي أحبها الناس في الإعلامي الراحل محبته للعلماء، فقد كان رحمه الله ينزل العلماء منازلهم، طوال مشواره الصحفي في مجلة اليمامة ثم رئاسته لتحرير جريدة الرياض، ويقدره م، ويحتفي بهم، كما كان يتعامل مع جميع كبار السن باحترام وتوقير. ومهما كتبت وأسهبت فلن أوفي هذا الرجل حقه من التقدير، فليرحمك الله يا من كان التسامح والمحبة وخدمة الآخرين هي دستورك في الحياة، ويكفي أن الله سبحانه هو المطلع على أعمال عباده، وسيجازيك بما أنت أهل له، ولا نراك إلا أهلاً لكل خير. ونسأل الله أن يدخل الطمأنينة إلى أهله ويربط على قلوبهم، ويداوي ألم أبنائه ويلبسهم الصحة والعافية، إنا لله وإنا إليه راجعون. محمد عبدالله الحسيني