ليس ثمة حياة حقيقة دون أخلاق، وليس هناك عمل ناجح دون مثل ومبادئ، ولا يمكن لتجارة أن تزدهر دون أن تقوم أركانها على مبادئ الحق والعدل والمساواة، ولطالما ظهرت مؤسسات واندثرت ونسيها الناس، ومجتمع الموظفين في مؤسسة ما هو بحد ذاته نسيج اجتماعي حقيقي وليس مجرد مجموعة من الأفراد يذهبون للعمل ثم ينفضّون، وهذا النسيج المجتمعي الذي يقضي فيه أغلب الناس اليوم جل يومهم، لا يمكن أن يكون نسيجاً صحياً في ظل وجود أية ممارسة لا أخلاقية سواء من قبل الإدارة أو من قبل أفراد هذا المجتمع المصغّر. والتنمر عادة لدى بعض أو كثير من الناس، فعندما يتخرج أحدهم من البيت الذي تربى فيه مع أسرته البيولوجية، وهو يحمل إلى العالم الخارجي وإلى التجمعات المجتمعية الصغيرة ذكراً كان أو أنثى معالم شخصية غير متزنة أخلاقياً وسلوكياً، يصبح التنمر جزءاً لا يتجزأ من شخصيته، ويصبح التنمر أيضاً حاجة وضرورة ماسّة لا يمكنه العيش من دونها، فهي ناتجة عن مشاهر انتقامية من الآخرين، لظروف أسرية ومجتمعية أحاطت بالمتنمر منذ طفولته، فقست عليه الحياة لتنتج منها إنساناً غير سوي، يدخل في صراعات مع المقربين منه ومع أفراد المجتمع المحيطين به، ويستفيد من امتلاكه عنصر القوة المالية في الضغط على من هم أقل منه أو من هم بحاجته فيتنمر عليهم دون أن يتمكنوا من الرد أو الاقتصاص لكرامتهم. وصاحب العمل الذي يسير على تلك الطريق لا يدرك وهو يرتكب مثل هذه السلوكيات بأن مصير إغلاق مؤسسته هو المصير المحتوم يوماً. أما الموظف المتنمر على زملائه فهو ذلك الموظف الذي لديه شعور دائم بالنقص إما على المستوى النفسي، أو على المستوى الاجتماعي، أو المهني، ولكنه مع ذلك لا يتنمر وحده، فتنمر الموظف يتم من خلال شعوره بأن الإدارة العليا تسنده وتدعمه، وهذا يقع إما لأسباب شخصية كعلاقته بالإدارة، أو لأسباب لا أخلاقية على رأسها نفاقه الدائم للإدارة في مؤسسته، فيصبح متميزاً لدى المديرين الذين لا يدركون من الأساس معنى الإدارة، فيتنمر على من شاء من موظفين خاصةً أولئك الذين يمكن وصف شخصياتهم بالضعيفة. التنمر مدخل كبير إلى الفشل، وإلى ضياع فرص الإنتاج الجيد، وإلى هبوط مستويات الأداء والإنجاز. والتنمر أقرب ما يكون سببه أمراضاً نفسية، ولا يمكن للمتنمر مديراً كان أو موظفاً أن يتفرغ لتحسين جودة منتجات أو خدمات المؤسسة، فعقل المتنمر هو عقل محدود جداً لا يبدع ولا ينتج ولا يقود ولا يمكنه بلوغ أية أهداف سامية، فهنيئاً للمتنمر بمستقبلٍ غير واضح المعالم، تحفه المخاطر وهو لا يدري، وهنيئاً لكل مدير متنمر أو معين على التنمر ببشرى انهيار مؤسسته عاجلاً أو آجلاً وتحوله إلى موظف أو عاطل عن العمل، ليذوق حينها تنمر بعض أفراد المجتمع عليه، أو تنمر مدير لمؤسسة سيضطر للعمل فيها ذات يوم.