استهداف المملكة العربية السعودية سواء بالحديث أو التخطيط أو التحريض ارتبط تاريخياً بعلاقة عكسية مثيرة للتفكير، فكل من استهدف هذا الوطن فرداً كان أو دولة أو منظمة أو مجموعة سواء على المستوى السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي أو حتى الاقتصادي فإنه يختفي بسرعة من المشهد وتختفي معه كل طموحاته وخيالاته، بينما بقيت السعودية شامخة تحقق الإنجازات المتتالية.. تعايشت السعودية مع تاريخ طويل من الاستهداف الموجه لها بشكل مباشر سواء من دول بعينها أو منظمات أو أفراد، حيث حدث هذا الاستهداف تاريخياً تحت مبررات مختلفة، ولن يكون من المبالغة القول إن استهداف السعودية سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً أو إعلامياً ليس وليد هذه الأيام بل يمكن القول إنه نشأ حديثاً مع نشأة المملكة العربية السعودية قبل ما يقارب من تسعة عقود مضت. السؤال الأكثر أهمية يقول: لماذا هذا الاستهداف يستمر عبر هذه السنوات رغم عدم تحقيقه أي نجاح على مستوى التأثير على السعودية أو شعبها، وما علاقة مكانة السعودية الدولية والإقليمية بتكاثر هذا الاستهداف مع كل مرحلة تبرز الدور السعودي العالمي، في الحقيقة كل الدول تتعرض للاستهداف لكن الفرق مع المملكة العربية السعودية أن منطقة الشرق الأوسط بأكملها دون استثناء لم تعرف الاستقرار السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي الذي تعرفه السعودية عبر تاريخها رغم كل ذلك الكم الهائل من الاستهداف تجاهها وتجاه إنجازاتها ورموزها السياسية من القيادات. هذه الفرضية حول حالة الاستقرار التي تميزت بها السعودية رغم كل أنواع الاستهداف تطرح سؤالاً مهماً حول جهل المستهدفين للسعودية بالكثير من مقومات الاستقرار التي تتميز بها السعودية، ولنبدأ بالعوامل التاريخية، هذه الدولة السعودية تقع على مساحة من الجغرافيا مليئة بالحضارات ومليئة بالتجربة الإنسانية بشكل يكاد يجعلها متفردة دون غيرها من الدول، لذلك فإن عمر السعودية اليوم يقترب من ثلاثة قرون وتقع على أرض حضارية عمرها آلاف السنين، وقد تشكل النمط السياسي السعودي بطريقة راسخة منذ انطلاقته في منتصف القرن الثامن عشر. السعودية هي الوحيدة بين دول الشرق الأوسط ذات النمط السياسي الذي ميزها عن غيرها، فجميع المراحل التاريخية للدولة السعودية تميزت بالثبات من حيث النهج ومن حيث النظام السياسي ومن حيث الأشخاص، حيث الجميع وبلا استثناء في جميع مراحل الدولة السعودية ينحدرون من ذات الأسرة المالكة، ويحكمون بذات الأهداف، هذه القوة التاريخية وهذا الثبات السياسي مؤشر قوي على متانة البناء السياسي الذي يعود لثلاث مرات متتالية متجاوزاً الكثير من العقبات السياسية الدولية وخاصة قدرة هذه الأسرة الكريمة وسياستها على الاحتفاظ بذات المساحة الجغرافية رغم احتوائها على مواقع إسلامية كانت تشكل مطمعاً للكثير من القوى الإقليمية والدولية. على الجانب المجتمعي والثقافي ساهم النظام السياسي السعودي كونه جزءاً أصيلاً في أرض الجزيرة العربية، من بناء علاقات أفقية ورأسية مع مكونات مجتمع الجزيرة العربية الذي تحول فيما بعد إلى مجتمع المملكة العربية السعودية، وهذا أدى إلى الإيمان المطلق لدى الجميع من سكان السعودية بأن التكوين السياسي للسعودية خيار يستحيل إيجاد بديل له مما يستوجب ويؤدي إلى التماسك بين مكونات هذا الكيان من قيادة وشعب. هذه الإشارة البسيطة والموجزة تعكس لنا كيف فشل الاستهداف المتكرر للسعودية في تحقيق أي انتصار وعلى جميع المستويات، بسبب أن تأثير هذا الاستهداف غير فعال مع أنه يستخدم وسائل وأساليب خبيثة وماكرة ولكنها لم تتجاوز الساحة الإعلامية في تأثيرها، وخلال عقود مضت ظهر الكثير ممن ينسج الروايات والقصص حول السعودية ويصورون المواقف أنها تصل إلى منتهاها وأن السعودية أصبحت قابلة للتقسيم والتفكك والانهيار، ولكن تلك الطموحات لا تعكس سوى أن من ينثرون هذه التصورات هم محرمون ثقافياً وفكرياً من فهم السعودية، وأن قدرتها على الصمود بهذه الطريقة هي قضية معقدة يصعب فهمها وخاصة عندما يمتزج التاريخ والجغرافيا والثقافة بالسياسة. إن النجاحات التي تحققت في المملكة العربية السعودية يرجع الفضل فيها إلى تلك التقاليد الراسخة التي رسمتها السياسة على مدى ثلاثة قرون تقريباً، حيث خلقت إمبراطورية من الاحترام المتبادل بين الأرض بحضاراتها وبين المجتمعات التي عاشت فوق هذه الأرض، وبلور ورسم هذا الاحترام نهج سياسي راسخ لم يغير من قواعده وأهدفه عبر تاريخيه. استهداف المملكة العربية السعودية سواء بالحديث أو التخطيط أو التحريض ارتبط تاريخياً بعلاقة عكسية مثيرة للتفكير، فكل من استهدف هذا الوطن فرداً كان أو دولة أو منظمة أو مجموعة سواء على المستوى السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي أو حتى الاقتصادي فإنه يختفي بسرعة من المشهد وتختفي معه كل طموحاته وخيالاته، بينما بقيت السعودية شامخة تحقق الإنجازات المتتالية، وهذه حقيقة تاريخية تبعث الاطمئنان وترسخ الاعتقاد بثبات هذا الكيان تحت قيادته التاريخية وشعبه الوفي مهما كانت طموحات الناقمين على هذا الوطن.