كل إنسان في الأرض يسعى لتحقيق حياة متكاملة؛ من مسكن مناسب وأمن مستمر وعلاج دائم، بالإضافة إلى مأكل جيد وصحي وتعليم وإلخ من متطلبات الحياة الضرورية، وذلك مقابل ما يقوم به من أعمال تخدم وطنه ومجتمعه. وهذه الأمور إذا اكتملت وتحققت لكل مواطن ومقيم في أرض المملكة العربية السعودية تكون نقطة نواة لتحقيق حضارة شاملة مكتملة البنية. فالحضارة لا تتحقق حتى يكون الإنسان فيها مرفهاً من كل النواحي المادية والمعنوية، لينطلق بمواهبه الثقافية والعلمية والأدبية، بالإضافة للفنون والموسيقى. لذلك انطلق برنامج جودة الحياة، والمقصود منه بناء ثلاث مدن رئيسة مكتملة البنية لتخلق حضارة راسخة مستدامة يذكرها التاريخ، والمأمول تحقيقها واكتمالها العام 2020م. لو اطلعنا على كل الحضارات القديمة من الفرعونية والبابلية واليونانية والرومانية لوجدنا فيها أن الإنسان مرفه بسبب ازدهار العلم والثقافة والفنون، فهذه المرتكزات إن تكاملت تستطيع أن تقود كل حضارة. ولقد انتهجت الحضارات العربية الإسلامية أي الأموية والعباسية هذه المرتكزات وطورتها حتى أصبحت إرثاً تاريخياً ومعلماً من معالم السياحة، ناهيك عن الإرث الثقافي الثقيل الذي يملأ خزائن المكتبات العالمية. فالحضارة تعني وجوداً وثباتاً ورسوخاً في جغرافيا أو منطقة معينة سواء صغيرة أو كبيرة؛ فلا يعني الحجم بالضرورة، وإنما المرتكزات العلمية والفنية لخلق مدن فيها كل مصادر الحياة، كالحضارة الأموية في الأندلس لو قارناها بالحضارة اليونانية القديمة بعد توسعها في عهد الإسكندر الأكبر، أو بالدولة العباسية في صحيح العبارة؛ لوجدناها صغيرة الحجم جغرافياً بالنسبة لهاتين الدولتين؛ ولكنها تركت إرثاً عظيماً من المباني والفنون الجميلة، ربما ضاهت كل الحضارات السابقة. برغم كل التحديات التي تواجهها المملكة سواء في الداخل أو في الخارج فهي ماضية قُدماً لتحقيق رؤيتها الطموحة، ففي الشأن الداخلي نسمع بعض الأصوات الناشزة الرافضة لوجود دور السينما والمسارح والفنون والأوبرا، ظناً منهم أنها تغير المفهوم الأخلاقي وتقلل من شأن الدين؛ وما هي إلا أوهام تسربت إلى عقولهم من تأثير سلبيات الصحوة المزعومة مسبقاً. فالمسرح والفن يعطي تأملاً وجدانياً، إضافةً إلى الاطلاع على الثقافات الأخرى. والسينما لا يقتصر دَورها لمجرد مشاهدة فيلم، وإنما تعزز لوجود اجتماعي كي لا يعيش الفرد منطوياً، فالمراد أن يتفاعل مع الجميع لمناقشة أحداث الرواية المحبوكة في الفيلم. أما الموسيقى والغناء التمثيلي في الأوبرا يغذيان الروح وينشطان الأفكار الأدبية. وفيما يخص التحدي الخارجي من حملات إعلامية شرسة تدعمها الأنظمة الإرهابية كقطر وإيران وغيرها، تحاول إجهاض كل تقدم سياسي واقتصادي وثقافي تقوده المملكة، والمراد تحطيم المعنويات في نفوس الشعب السعودي وتقليل الثقة في القيادة، ولكن الشعب أكبر من هذه المهاترات الخبيثة المكشوفة نياتها؛فالمواطن وصل لدرجة كبيرة جداً من الوعي، وأصبح يميز بين الحق والباطل، وأدرك أن هذه المحاولات ما هي إلا تفكيك للمكون الاجتماعي والوطني. Your browser does not support the video tag.