إذا كان طموح الإنسان أكبر بكثير من إمكاناته الحقيقية فإنّ هذا الطموح يُعذّبه ويُشقيه، ويجلده بالسياط كلّ يوم، مثلما يُجْلدُ جوادٌ هزيل، يعدو بكل قُوّته، كي يُضاعف سرعته. وكما أنّ بالإمكان تحسين صحة هذا الجواد بحسن رعايته وتغذيته، وتدريبه على زيادة سرعته بالتدريج، يُمكن لمن طموحه يفوق قدراته بكثير، أنْ يُحسّن أداءه قدر الإمكان، ببذل كامل الجهد في العلم والعمل، مع تخفيض درجة حرارة طموحه الذي يغلي، وتقسيم أهدافه الكبيرة إلى أهداف صغيرة يثابر على تحقيقها أولاً بأول، كأنما هو يصعد سُلّماً من الدرج الطويل، فإن فعل هذا سعد بما يتحقق بالتدريج، وتعلم المزيد، ولسوف يتحسن أداؤه مع الصبر والمثابرة، وإدراك أن الفشل جسر للنجاح طالما كان ذلك الفشل بعد بذل كامل الجهد (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) أما الذي يريد تحقيق ما يريد كله، أو تركه كله، فإن طموحه أوهام لا تحقق في الواقع المعاش، وغالباً ما يُصاب مثلُ هذا (بعقدة الاضطهاد) وبالاكتئاب، لأنه يعتقد وهماً، أنه أفضل من غيره ممّن حققوا ثروات، أو تفوقوا في الدراسة، أو الوظيفة، أو أي نشاط يتجه له طموحه بعنف دون عمل جاد، بل مجرد اعتقاد أنه قادر على تحقيق ذلك وأكثر لأنه (هو هو!) فهذه (الأنا) النابعة من الغرور والاعتقاد الخاطئ غير المستند على أعمدة العلم والعمل والصبر والمثابرة، ومعرفة النفس على الحقيقة لا التوهّم، تصيب صاحبها بالإحباط، ومرارة الإحساس بالاضطهاد (مع أنّه غير مُضطهَد) ويرمي فشله على شماعة الحظ، لا على عدم بذل كامل الجهد، والرضا بما قسم الله سبحانه من نتيجة، مع مواصلة الكفاح المستند على أعمدة الواقع لا على فُقاعات الصابون وأنواع الأوهام. أما الطموح الذي يُسعد صاحبه بإذن الله، ويحقق له ما يرضيه، وتقر به عينه من النجاح، فهو الطموح الأقل قليلاً من قدرات الإنسان، مع بذله كامل قدرته، ومثابرته على المزيد من تحصيل العلم وبذل الجهد والعمل، والرِّضا بالنتائج، والاستمتاع بما يتحقق، والإدراك أن تحقيق كامل الآمال شبه مستحيل في هذه الحياة.