عكست تداعيات القرار السعودي الأخير بتحرير قيود القطاع النفطي الوطني لمستويات إنتاجية عليا ومستدامة الحاجة إلى التأكيد أن القرارات الاقتصادية لها أرقامها وتنبؤاتها المستقلّة عن أي توجهات سياسية مطلقاً، "الربح أولاً" مبدأ اقتصادي تقوم عليه ومازالت جميع الشركات والمؤسسات على المستوى العالمي وهو الهدف من إنشائها، لذلك فاجترار التفسيرات السياسية لهذا القرار جانب الصواب إلى حدٍ كبير، قياساً على ذلك مرت الأسواق النفطية خلال السنوات الماضية بفترات ذات مستويات سعرية متدنية أثرّت سلباً وبشكلٍ كبير على نشاط إنتاج النفط الصخري الأميركي ولم يتم تفسير ذلك بالدوافع السياسية التي أدّت إلى ذلك، القرار السعودي قرار اقتصادي تنافسي بحت لم يُحدث انشقاقاً صريحاً عن توجهات شركات النفط بالدول الأخرى التي لن تتوانى عن مطاردة مصالحها الاقتصادية، لذلك فإن مقاييس اتفاق OPEC+ تدلّ أنه ظلّ يعاني خلال العام 2019م من "عدم الجدوى الاقتصادية" للجهود الكليّة للدول الأعضاء وبلغت ذروتها في الاجتماع الأخير لمنظمة OPEC والمنتجين الآخرين مطلع شهر مارس الجاري بفيينا فطيلة عامٍ كامل قدّمت المملكة المصلحة العامّة لأسواق النفط على خلل الأداء الذي لاحظته على الأعضاء طوال العام، كما أدركت أن الاتفاق صورياً ل 21 دولة أما فعلياً فهو ل 5 دول أو منتجين في الاتفاق (أنغولا – الكويت – السعودية – البحرين – بروناي) ويمكن الجزم بذلك لأن هذه الدول هي الدول الوحيدة في الاتفاق التي حققت الوفاء الكامل بتقييد حصصها بالإضافة إلى تغطية تخلّف أعضاء آخرين عن الوفاء بحصصهم، والممكن قوله هو أن OPEC+ - إن استمر أو تم طيّ صفحاته مطلع أبريل – هو ثقافة سعودية اقتصادية مُفادها "تعميم المصلحة للجميع والحفاظ عليها" سواء أدرك الأعضاء ذلك أم لا، من أهم ثمار هذه الثقافة إيجاد مناعة لأسواق النفط تحول ضد التأثر بالعوامل السلبية الطارئة كذلك تقييد نشوة عوامل الدعم ضمن النطاقات المتزّنة بتبعات سعرية مقبولة لكلٍ من منتجي الخام ومستهلكيه، كما أن هذه الثقافة التي عبّر عنها اتفاق OPEC مع المنتجين الآخرين من خارج المنظمة كان النقطة الفعلية للاتزّان في السوق النفطية أو المساعدة على إيجادها، يعكس ذلك ما عايشته الأسواق طيلة العام المنصرم 2019م من تأثير سلبي للصراع بين قطبي تجارة العالم الولايات المتحدة والصين، وكيف ساعدت جهود OPEC+ في طمأنة الأسواق وإبقائها ضمن مناطق الاتزّان أو بالقرب منها. مسببّات القناعة السعودية بآنية التخارج الكلّي من اتفاق OPEC+ ذات دوافع اقتصادية بحتة وليس انتقاماً أو دوافع سياسة كما ذهبت إلى ذلك غالبية وسائل الإعلام الدولي من داخل وخارج القطاع النفطي العالمي لقصور الإلمام بالقراءة الاقتصادية النفطية، ويمكن تفسير القرار السعودي على أنه مراجعة لقياس توزيع العدالة بين الدول أعضاء الاتفاق في حمل الأثقال الموزّعة عليهم حسب أرقام الإنتاج المرجعي والحصص لكل دولة لم تتحقق وعانت من خللٍ كبير، لذا استحسنت السعودية إعادة تقويم اعوّجاج العدالة بين الأعضاء في أدائهم عبر توزيع أثقال السوق النفطية بأداء عكسي نشأ بسبب افتقاد دور OPEC+، هذه العملية العكسية في السوق النفطية التي اتخذّتها المملكة (إعادة توزيع أثقال السوق) أحدثت صدمةً كبيرة وعلى وجه الخصوص للأعضاء الذين سجّل أدائهم العام الماضي مستويات متدنية جداً، فمنهم من أعاد النظر في قراءته للسياسة النفطية السعودية – كأحد أهم منتجي الخام بالعالم ومنظمة OPEC - وآخرين قاموا بتعليق مشاريع الطاقة لتعويض تراجع الإيرادات النفطية، لذلك يمكن توضيح خلل عدالة التوزيع لأحمال اتفاق OPEC+ عبر قياس أداء الأعضاء طيلة عامٍ كامل 2019م، فالبيانات التاريخية للإنتاج في 2019م توضح أن الأداء يقسّم الأعضاء إلى خمس مجموعات من الأقوى للأضعف أداءً كالتالي الأولى: دولٌ التزمت بكامل حصصها الطوعية وأسهمت في تحمّل طاقة متسرّبة ناتجة عن تخلّف أعضاء آخرين وعددها خمس دول وهي السعودية + 6.818 ملايين برميل يومياً وأنغولا + 895 ألف برميل يومياً والكويت + 355 ألف برميل يومياً وبروناي + 336 ألف برميل يومياً والبحرين + 264 ألف برميل يومياً، المجموعة الثانية: دولٌ تخلّفت عن حصّتها ثم امتثلت بأكثر من تخلّفها وأسهمت في تحمّل طاقة متسرّبة ناتجة عن تخلّف أعضاء آخرين وعددها أربع دول وهي الجزائر امتثال أعلى من الحصة بلغ +69 ألف برميل يومياً بفارق تحسّن مقداره 44 ألف برميل يومياً عن حجم التخلّف البالغ 25 ألف برميل يومياً، غ.الاستوائية امتثال أعلى من الحصة بلغ +40 ألف برميل يومياً بفارق تحسّن مقداره 22 ألف برميل يومياً عن حجم التخلّف البالغ 18 ألف برميل يومياً، كازاخستان امتثال أعلى من الحصّة بلغ + 1.520 مليون برميل يومياً بفارق تحسّن مقداره 1.372 مليون برميل يومياً عن حجم التخلّف البالغ 148 ألف برميل يومياً، المكسيك امتثال أعلى من الحصّة بلغ + 693 ألف برميل يومياً بفارق تحسّن مقداره 624 ألف برميل يومياً عن حجم التخلّف البالغ 69 ألف برميل يومياً، المجموعة الثالثة: دولٌ تخلفّت عن الامتثال ثم سجّلت في بعض أشهر العام خفضاً أعلى من الحصة المقررة إلا أنه لم يكن كافياً لتغطية تسرّب الطاقة الإجمالية الذي أحدثته وتحمّله أعضاء آخرون وهي خمس دولٍ كالتالي: الكونغو سجلّت في بعض أشهر العام خفضاً أعلى من الحصة بلغ في كامل العام 9 آلاف برميل يومياً يقابله إجمالي تخلّف عن الالتزام بلغ لذات الفترة 126 ألف برميل يومياً، الإكوادور (أبلغت برغبتها في الخروج من المنظمة اعتباراً من مطلع 2020م) سجلّت في بعض أشهر العام خفضاً أعلى من الحصة بلغ في كامل العام 60 ألف برميل يومياً يقابله إجمالي تخلّف عن الالتزام بلغ لذات الفترة 214 ألف برميل يومياً، نيجيريا سجلّت في بعض أشهر العام خفضاً أعلى من الحصة بلغ في كامل العام 174 ألف برميل يومياً يقابله إجمالي تخلّف عن الالتزام بلغ لذات الفترة 1.169 مليون برميل يومياً، الإمارات سجلّت في بعض أشهر العام خفضاً أعلى من الحصة بلغ في كامل العام 47 ألف برميل يومياً يقابله إجمالي تخلّف عن الالتزام بلغ لذات الفترة 104 آلاف برميل يومياً، ماليزيا سجلّت في بعض أشهر العام خفضاً أعلى من الحصة بلغ في كامل العام 12 ألف برميل يومياً يقابله إجمالي تخلّف عن الالتزام بلغ لذات الفترة 968 ألف برميل يومياً، المجموعة الرابعة: دولٌ خفضت إنتاجها من واقع أرقامها المرجعية المقيدة في الاتفاق ولكنها لم تحقق نصابها المفترض من الحصص وحمّلت أعضاء آخرين مسؤولية خفض طاقتها المتسرّبة من الاتفاق وعددها خمس دول كالتالي: الغابون حققت خفضاً فعلياً من إنتاجها المرجعي لكامل العام بلغ أربعة آلاف برميل يومياً وتخلّف عن الامتثال نتج عنه طاقة متسرّبة من الاتفاق بلغت 261 ألف برميل يومياً، العراق حققت خفضاً فعلياً من إنتاجها المرجعي لكامل العام بلغ 347 ألف برميل يومياً وتخلّف عن الامتثال نتج عنه طاقة متسرّبة من الاتفاق بلغت 1.902 مليون برميل يومياً، أذربيجان حققت خفضاً فعلياً من إنتاجها المرجعي لكامل العام بلغ 53 ألف برميل يومياً وتخلّف عن الامتثال نتج عنه طاقة متسرّبة من الاتفاق بلغت 254 ألف برميل يومياً، عُمان حققت خفضاً فعلياً من إنتاجها المرجعي لكامل العام بلغ 25 ألف برميل يومياً وتخلّف عن الامتثال نتج عنه طاقة متسرّبة من الاتفاق بلغت 280 ألف برميل يومياً، روسيا حققت خفضاً فعلياً من إنتاجها المرجعي لكامل العام بلغ 882 ألف برميل يومياً وتخلّف عن الامتثال نتج عنه طاقة متسرّبة من الاتفاق بلغت 1.878 مليون برميل يومياً، أما الأداء الأسوأ فقد كان من نصيب المجموعة الخامسة التي لم تسجل خفضاً طيلة العام وأسهمت في طاقة إنتاجية متسرّبة تحملّ أعباء تقليصها من الأسواق العالمية الأعضاء الآخرين في OPEC+ من خلال رفع مستويات إنتاجها عن البيانات المرجعية الخاصّة بها وكانت دولةً واحدة وهي السودان بخفض طيلة العام مقداره (صفر) وطاقة إنتاجية متسرّبة بلغت في كامل العام 1.450 مليون برميل يومياً، وبذلك يشير تحليل أداء المجموعات للدول الأعضاء في OPEC+ أن الدول الأعضاء في المجموعة الأولى (أنغولا – الكويت – السعودية – البحرين – بروناي) هي الأقوى أداءً التي عكست نجاح الاتفاق فعلياً بتحقيق حصصها الطوعية المستهدفة، كذلك أسهمت في امتصاص 8.668 ملايين برميل يومياً من إجمالي تخلّف بلغ 8.866 ملايين برميل يومياً أي بنسبة بلغت 97.7 %، وذلك كتخلّف عن الامتثال للدول الأعضاء في المجموعة الثالثة والرابعة والخامسة البالغ عددها 11 دولة، وساهمت المجموعة الثانية في تغطية ما تبقى من الطاقة المتسرّبة البالغة 198 ألف برميل يومياً وفائض التزام يسجّل للمجموعة النفطية ككل بلغ 2.062 مليون برميل يومياً تبقى منه 1.864 مليون برميل يومياً عقب تغطية التسرّب المتبقي للمجموعة. عليه فإن الأداء الكلّي للمجموعة سجلّ نجاحاً عالياً وفق مراقبي الصناعة النفطية، بيدَ أن خلل الأداء الداخلي الذي عكسه قياس الأداء لم يحقق هدف توزيع أحمال الاتفاق الذي كانت تطمح إليه المملكة، وسبق أن عبرّت عنه في فترات متباينة من العام المنصرم عبر حثّ الأعضاء على بذل المزيد من المزيد تجاه الوفاء بالحصص الطوعية المقررة لكل عضو.