عكس أداء المملكة خلال العام 2019م السياسة الحمائية التي تمكنت من تقليل آثار تذبذب أسعار النفط خلال العام على الثروة الوطنية، وعدم عرضها في الأوقات التي تشهد فيها الأسواق العالمية انكماشاً في الطلب أو فائضاً في المعروض، فقد بلغ إجمالي حجم الطاقة التصديرية السعودية التي تم حجبها عن الأسواق من قبل المملكة خلال الفترة (يناير – سبتمبر) للعام الجاري 4.650 ملايين برميل يومياً قياساً على متوسط إجمالي صادراتها النفطية للنصف الثاني من العام 2018م، ساعد على ذلك عدد من العوامل أهمها الإدارة الاقتصادية المرنة للمملكة في التعامل مع الأسواق وتلبية حاجتها إما بالتقييد أو زيادة العرض، كذلك الامتثال العالي في اتفاق سياسة الإنتاج لأعضاء OPEC+، كما أن المخرجات الإيجابية التي حصدتها المملكة بنهاية العام الجاري 2019م نتيجة للمرونة العالية التي تنتهجها في سياستها النفطية متنوعة وفاعلة، فعلى صعيد أسواق النفط العالمية حازت المملكة على ثقة الأسواق في دورها كمُنتِج مثالي يتفاعل بإيجابية مع مستجدات الاقتصاد العالمي، كذلك الإسهام في توفير المناخ الآمن وقت الأزمات، والحفاظ على الثروة الوطنية النفطية من العرض في الأسواق ذات المستويات السعرية المتدنية، بالإضافة إلى أن رفع مستوى الالتزام في اتفاق سياسة تقييد الإنتاج النفطي بأعلى من الحصص المفروضة يشكّل ضغطاً على الأعضاء الذين لم يطابقوا حصصهم الإنتاجية، وذلك ببذل المزيد من الجهود لرفع الامتثال واللحاق بركب الأعضاء الآخرين، أما آثار الدور السعودي بداخل اتفاق تقييد الإنتاج OPEC+ فكان كبيراً ومؤثراً بما ضمن نجاحه وقوة تأثيره، كذلك تدعيم جوانب الضعف فيه كامتصاص الطاقة الإنتاجية المتسرّبة من الاتفاق ففي يناير الماضي أسهمت المملكة في تخفيض حجم الطاقة المتسّربة للأعضاء من الاتفاق البالغة 695 ألف برميل يومياً ب98 ألف برميل يومياً وذلك من أصل خفض عند 420 ألف برميل يومياً من إنتاجها المرجعي عند 10.633 ملايين برميل يومياً، وفبراير أسهمت في خفض طاقة الأعضاء الإنتاجية المتسرّبة من الاتفاق البالغة 663 ألف برميل يومياً ب224 ألف برميل يومياً من أصل خفض عند 546 ألف برميل يومياً، كذلك شهر مارس الذي بلغت فيه الطاقة الإنتاجية المتسرّبة من الاتفاق 556 ألف برميل يومياً فقد أسهمت المملكة من خلال مستوى الخفض الأعلى من حصتها الإنتاجية في امتصاص 511 ألف برميل يومياً من أصل خفض بلغ 839 ألف برميل يومياً، أما في الربع الثاني من العام الجاري فقد أسهمت المملكة في خفض إجمالي الطاقة الإنتاجية المتسرّبة للأعضاء من الاتفاق في كامل الربع البالغة 2.404 مليون برميل يومياً بإجمالي خفض أعلى من الحصة المقررة لذات الفترة ب1.688 مليون برميل يومياً وذلك بإجمالي خفض من الإنتاج المرجعي عند 2.654 مليون برميل يومياً، إلى ذلك، جاء الربع الثالث امتداداً لدور المملكة الريادي في دعم الاتفاق حيث أسهمت في خفض إجمالي الطاقة الإنتاجية المتسرّبة للأعضاء من الاتفاق في كامل الربع البالغة 2.510 مليون برميل يومياً بإجمالي خفض أعلى من الحصة المقررة لذات الفترة ب2.866 مليون برميل يومياً وذلك بإجمالي خفض من الإنتاج المرجعي عند 4.453 ملايين برميل يومياً. وفي نفس السياق، يُظهر تعاطي منظمة OPEC مع المتغيرات التي تمرّ بها أسواق النفط العالمية حدوث استنساخ لمرونة الإدارة الاقتصادية السعودية؛ لقوة ونعومة تأثيرها في الأسواق النفطية يتضّح ذلك جليّاً من حيث توزيع الأدوار على الوزراء الأعضاء في المنظمة (كذلك الوزراء الأعضاء في OPEC+) في التعاطي مع أسواق النفط بشكل متناغم وداعم، لذلك فالمنظمة دوماً قبيل الاجتماعات الوزارية لأعضائها وكذلك الأعضاء في اتفاق OPEC+ تعتمد على تهيئة أسواق النفط العالمية لمخرجات تلك الاجتماعات عبر تصريحات مقتضبة لبعض الوزراء تنبئ سلفاً عن المسار الذي ستتخذه القرارات المتعلقة بمستقبل الأسواق، الأمر الذي يساعدها في التفاعل التدريجي دون حدوث أي صدمات، يمثّل ذلك الفترة التي تمر بها أسواق النفط في الوقت الراهن، وحالة الترقّب الذي تعيشه تجاه قرارات الاجتماع الوزاري لOPEC والأعضاء الحلفاء من خارجها، إلا أن الأسواق حالياً استطاعت التوصّل لبعض الدلالات التي يمكن من خلالها الاسترشاد والتنبؤ بمسارها في العام المقبل 2020م، وبما ستكون عليه تجاه عوامل التأثير فالأيام القليلة الماضية شهدت خروج بعض وزراء الطاقة والنفط في دول اتفاق OPEC+ والتصريح أن الفرضيات قائمة بزيادة القيود على سياسة الإنتاج النفطية للدول الأعضاء من 1.2 مليون برميل يومياً إلى (1.4 – 1.6) مليون برميل يومياً وذلك لبقية العام المقبل 2020م، لا سيمّا أن السياسة الإنتاجية الحالية سينتهي العمل بها نهاية شهر مارس القادم، حيث استمر العمل بها 11 شهراً منذ مطلع يناير الماضي امتثالاً لقرارات الاجتماع الوزاري الذي تم في 7 ديسمبر 2018م على أن يتم العمل به لمدة ستة أشهر أولية، وتم تمديد هذه السياسة في يوليو الماضي لمدة 9 أشهر أي لنهاية مارس 2020م .