تنطلق اليوم تداولات أسواق النفط للأسبوع الجاري وسط توقعات ببقاء خام الإشارة برنت ضمن نطاق 54 – 55 دولاراً متأثراً باستمرار تداعيات تباطؤ الطلب الصيني على الطاقة، يرافقه تطلّع حذر لأوساط الصناعة بتشريع قرار الدعم الذي قدمّته اللجنة الفنية لأعضاء OPEC+ الأسبوع الماضي، الأسواق فعلياً تقترب من الحصول على أدوات دعم جديدة مُفادها ضم طاقة إنتاجية جديدة لسياسة التقييد مقدارها 600 ألف برميل يومياً. هذه التوصية التي خرجت بها اللجنة ما زالت بحاجة إلى تشريع وزراء الطاقة الأعضاء في الاتفاق الذي من المتوقّع أن تكون الموافقة عليه شبه مؤكدة مسبقاً ؛ لمبررات عدّة أهمها التقارب السعودي الروسي في سياسات إنتاج النفط والاتفاق عليها بما يضمن استقرار الأسواق العالمية، الأمر الذي أكدتّه تصريحات البلدين خلال الأيام الماضية آخرها تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الجمعة الماضية أن روسيا تتجّه لدعم التوصيات التي أقرتها اللجنة الفنية ل OPEC+ بخفض إضافي مؤقت يبلغ مقداره 600 ألف برميل يومياً، على الرغم من رغبة موسكو في الحصول على المزيد من الوقت لدراسة الأمر. وبذلك تكون OPEC والمنتجون الآخرون الأعضاء في الاتفاق من خارجها قد قامت بتقييم الموقف وأداة الدعم اللازمة لتعديل مسار السوق التي ستكون مؤقتة أي بما يقتضيه الموقف لا أكثر، التدّخل السريع لأعضاء OPEC+ في معالجة الموقف يؤكد أن الأسواق النفطية لم تتعافَ بشكل كامل، فالأساسيات ما زالت هشّة وغير مهيأة لتحمّل المزيد من الضغوط الثقيلة، عقب معركة طويلة دامت أكثر من عام مع أشد عوامل التأثير وطأة عليها "ملف التجارة" الذي ما زال في أولى مراحل الانفراج والخروج نحو التعافي، كان لأعضاء OPEC+ خلال تلك الفترة جهود متواترة في الحفاظ على الأسواق ضمن نطاق التوازن. ولعل توازن الأسواق النفطية يمثّل المنطقة الأكثر تساؤلاً عن موقعها في ظلّ عدم الربط بينها وبين أية مستويات سعرية، إلا أن رصد البيانات التاريخية أوضحت أن مصطلح التوازن تم استخدامه بغرض تحققّه في المستويات السعرية التي كانت تدور حول نطاق 70 – 75 دولاراً لخام الإشارة برنت، وأن الخروج عن هذا النطاق لا يعني بالضرورة تدّخل المنظمة للتعديل، فالتركيز على حالة اتزّان الأسواق هو ما يهمّ OPEC، بدليل أن أسعار النفط كانت في غالب العام المنصرم 2019م ضمن نطاقات سعرية عند 61 – 66 دولاراً للبرميل ولم تبدِ المنظمة أي رغبة في التحرّك أو تعديل سياسيات تقييد الإنتاج، الأمر الذي يؤكد اهتمامها بالاتزّان وتقارب كفتّي العرض والطلب بالأسواق العالمية لا مستويات الأسعار. تدرك – أو يُفترض – الصناعة النفطية الصعوبة البالغة في رسم سياسات سعرية محددة لربعٍ كامل، فالأسواق لم تعد تحتمل التوقعات في مساراتها المستقبلية؛ لاعتباراتٍ عدّة أهمها متغيرات التأثير السريعة في الأسواق، فالمدة الزمنية التي كانت الأسواق في حاجتها لإحداث تباين سعري مقداره 17 دولاراً في 2019م كانت أربعة أشهر (2 يناير – 25 أبريل). أما في العام الجاري فلم تكن في حاجة إلا ل 37 يوماً فقط (1 يناير – 8 فبراير) لإحداث نفس التباين، كل هذه المعطيات تنم عن حالة من عدم اليقين تجاه ما تبقى من الربع الجاري، جرّاء الطلب الصيني على الطاقة الذي من المتوقّع أن يتراجع بمقدار 600 ألف برميل يومياً، الأسواق تتلقّى حالياً إشارات مطمئنة حول مسار الأزمة، عبر أنباء التوصّل إلى لقاحات لعلاج الفايروس، إلا أنها ما زالت غير كافية لدعم الأسواق فعلياً، عليه فإن الأسواق تتابع بدقّة تطورات الأمة في الصين، فأي تقدّم إيجابي سيعني تخفيف القيود المفروضة على قطاع النقل الصيني داخل البلاد وخارجها وعودة تدريجية لتعافي الطلب، ما يطغى على أوساط الصناعة في الوقت الراهن هي القناعة التامّة أن مسار الأزمة الصينية بحاجة إلى فترة زمنية قد تستمر لكامل النصف الأول من العام. ونظراً لذلك فإن الأسواق تتسّم بحالة من عدم اليقين في ناحيتين الأولى أزمة فايروس كورونا والثانية قرار OPEC+ بإضافة طاقة إنتاجية جديدة لسياسة التقييد، وكلتا الحالتين تستلزم شراء المزيد من الوقت، فالأزمة الصينية لا يمكن التنبؤ بتطوراتها القادمة، كذلك الأعضاء في OPEC+ لم يصلوا بعد إلى مرحلة الجزم الكامل بأحقّية القرار في التنفيذ. وباستمرار مخاوف الطلب الصيني على الطاقة يرافقه خفض فعلي لطاقة منشآت التكرير الصينية بمقدار 600 ألف برميل يومياً وعدم دخول توصية اللجنة الفنيّة ل OPEC+ حيّز التنفيذ من المتوقع أن تظل أسعار خام الإشارة برنت ضمن نطاق 54 – 56 دولاراً للبرميل وهي المستويات التي دارت حولها أسعار النفط في الأسبوع الماضي ومن المتوقع كذلك أن تستمر خلال تداولات الأسبوع الجاري، ومن المستبعد تغيّر هذا المسار إلا بحدوث خفض جديد أو خروج بوادر مطمئنة من الجانب الصيني حيال الفايروس وأزمة الطلب على الطاقة.