تشكل مواسم الاجتماعات الخاصة بمنظمة OPEC أرضاً خصبة لتوالي التصريحات من قبل المنظمات والهيئات الدولية، ما يؤكد الأهمية البالغة لدور المنظمة في إدارة أسواق النفط وتهيئة ظروف الاتزّان المطلوبة لجميع الدول سواء المصدرة للنفط أو المستوردة له، بيدَ أن قياس المواءمة بين ظروف السوق النفطية حالياً، ومتطلبات – أو طلبات – تصريحات تلك الجهات سواء أكانت منظمات أو هيئات دولية تعكس حجم قربها من واقع الأسواق، وبالقرب من ذلك خرجت وكالة الطاقة الدولية على لسان مديرها التنفيذي (فاتح بيرول) بتصريحات نهاية الأسبوع الماضي حملت في مضمونها توصيفاً للاقتصاد العالمي ب «الهشّ»، مشيرةً إلى ضرورة اتخاذ منظمة OPEC قراراً داعماً للأسواق العالمية، وبالعودة إلى معطيات الاقتصاد العالمي يتضّح حدوث تباطؤ في نمّوه نتيجةً للحرب التجارية القائمة بين الولاياتالمتحدة الأميركية والصين التي انطلقت في شهر أبريل من العام الماضي 2018م، إلا أن هذا التباطؤ لم يكن بحجم التوصيف «الهش» الذي أطلقته وكالة الطاقة الدولية، ما يحتّم التوافق مع الأدبيات الاقتصادية التي تستحسن الابتعاد عن المفردات الثقيلة على الأسواق وتحفيزها قدر الإمكان، فالجوانب النفسية تشكّل عاملاً له وجوده فيها، وبقياس حركة أهم الاقتصادات العالمية يتضّح أنها تشير إلى أن الاقتصاد الصيني عكس أرقاماً محفزّة في الأشهر القليلة الماضية، ففي شهر يوليو للعام الجاري صعدت أرقام الواردات الصينية من النفط الخام ل 9.66 ملايين برميل يومياً وذلك من 9.63 ملايين برميل يومياً في سابقه يونيو، كما صعدت في أكتوبر الماضي ل 10.72 ملايين برميل يومياً من 10.04 ملايين برميل يومياً في سبتمبر. غير بعيد من ذلك تواصل الأسواق النفطية المسير بوتيرة متماسكة في ظلّ تدافع عوامل التأثير ما بين الضغط والدعم، وتأرجح خام برنت في حدود ال 3 دولارات للبرميل ضمن نطاق (60 – 63) دولاراً، يتزامن ذلك والإرهاصات التي عمّت أوساط الصناعة النفطية التي تنبئ عن وجود امتداد لاتفاق OPEC+ من خلال قرار المنظمة باستمرار العمل ضمن سياسة تقييد الإنتاج، ما يعني استمرار دعم أسواق النفط خلال العام المقبل 2020م، على الرغم من ضبابية تفاصيل القرار وكيف يمكن أن تقدمه دول OPEC+ للأسواق العالمية، وبوجهٍ عام لا تحمل الصورة المستقبلية القصيرة المدى أي بوادر لتغيرات هيكلية قد تطرأ على الأسواق، وإنما دخول عوامل تأثير موسمية في الربع الأول من العام وهو تباطؤ الطلب، الأمر الذي يحمل بين طيّاته مسارين من التوقعات لأسواق النفط خلال العام المقبل، وكلاهما يركن في مساره إلى مخرجات قرار OPEC+ خلال اجتماع ديسمبر المقبل، فالمسار الأول حال خروج منظمة OPEC والحلفاء من خارجها بقرار الاستمرار بسياسة الإنتاج المتضمنة تقييد 1.2 مليون برميل يومياً دون تغيير، فيشير إلى تلقي الأسواق المزيد من عوامل الضغط مع استمرار مقاومة عوامل الدعم الأخرى أي تراجع أسعار خام الإشارة برنت في الربع الأول من العام وتأرجحها ضمن نطاق سعري (56 – 60) دولاراً للبرميل مع بقاء الآمال بتعافيها بعيد الربع الأول من العام، المسار الآخر لتوقعات أسواق النفط في 2020م سيكون الأرجح حال خروج OPEC+ بقرار تعميق سياسة تقييد الإنتاج بأعلى من المعمول بها في العام الجاري 2019م، حيث ستشهد عوامل الدعم المزيد من القوّة لمجابهة ركود الطلب الموسمي، والقدرة في نفس الوقت على امتصاص تأثير أية قدرات إنتاجية جديدة قادمة للأسواق العالمية، وبهذه الحال من المتوقع تأرجّح أسعار خام الإشارة برنت ضمن نطاق سعري (60 – 64) دولاراً للبرميل، من المستجدات كذلك في أسواق النفط هي عودة التأكيد ببقاء قدرة إنتاجية تحت وطأة مخاوف العوامل الجيوسياسية، وعدم ضمان سلامة تلك الإمدادات، وهي بطبيعة الحال الطاقة الإنتاجية الليبية التي تعاني من الاضطرابات واستهداف عسكري للحقول النفطية ما يعني عودة عدم اليقين تجاه القدرة الإنتاجية الليبية، الأمر الذي يشكّل دعماً لأسواق النفط جرّاء مخاوف الإمدادات، والواضح من خلال معطيات عوامل التأثير في الأسواق أنها لم تُحدث تبايناً كبيراً بين كفتّي العرض والطلب، وليس مرجّحاً الوصول لمرحلة التباين الكبيرة عن منطقة الاتزّان، وإن حدث ذلك فإن المرونة التي تتمتّع بها دول اتفاق OPEC+ كفيلة بتغطية هذه الفجوة والحدّ من آثارها في الأسواق العالمية، حالياً تظلّ الفترة المقبلة إلى ما بعد اجتماع OPEC+ هي فترة ترقّب ومتابعة لاجتماع OPEC والمنتجين الآخرين الحلفاء من خارجها خلال ديسمبر الجاري، فالأسواق العالمية تدرك يقيناً أن مخرجات الاجتماع ستكون الخريطة الفعلية لها خلال العام المقبل 2020م بأكمله، والمقياس الفعلي لحدّة وضعف عوامل التأثير الأخرى في الأسواق.