في قول الله عز وجل: ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فبدأ اللَّه تعالى بالوصية لمن كان سبباً في وجوده في هذه الحياة الدنيا بعد اللَّه عز وجل بالإحسان إليهما، وبرِّهما، وخص سن الأربعين لأن فيه تناهي العقل، وكمال الفهم، وفيه بيان أن العبد إذا بلغ أربعين سنة يجدد التوبة للَّه تعالى. إن سرعة الأيام من علامات آخر الزمان وهي عبرة لمن اعتبر، والسعيد من عمر أيامه ولياليه بطاعة الله، يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلى ولم يزد فيه عملي). لا بد للإنسان أن يتأثر أو يؤثر فيمن حوله سلباً أو إيجاباً، فإذا كان صاحب دين وتقوى أثر بالخير وتأثر من أهل الخير. الوالدان وما أدراك ماهما، وأشهد الله أن لي أبوين -ممن نحسبهما والله حسيبهما- قدوة في أفعالهما قبل أقوالهما؛ أمي متعها الله بطاعته طيبة القلب عفيفة طاهرة زاهدة في الدنيا تنفق بلا ملل، وتقوم وتصوم بلا كلل أو تعب، يكبر سنها وتزيد همتها في طاعة الله، ربتني -واجتهدت- على الدين والقيم وعلى الجد والاجتهاد، ومهما قلت فلن أوفيها حقها وبرها، والدي متعه الله قدوة في الصلاة وقراءة القرآن، كرسيه لا يغادر روضة المسجد خلف الإمام، يصلي قائماً مجاهداً التعب والمرض، إذا رأيت والديّ وهما يدعوان قبل الإفطار وآخر الليل وفي الضحى علمت أن ستر الله علي إنما هو محض كرمه وعفوه ثم بدعائهما، ولا يسعني أن أقول إلا قول الحق تبارك وتعالى: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، (رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا). التوبة وصية الله وقد تكررت في كتابه (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) صلاحك صلاح لذريتك وإن قصرت في تربيتهم فإياك أن تقصر في الدعاء لهم (وأصلح لي في ذريتي). هذه الآية جمعت أسباب سعادة الدنيا والآخرة؛ فالعبد يوفقه الله لشكر النعم ويوفقه لطاعته جل وعلا ويقرنها ببر الوالدين ويصلح له ذريته ويوفقه إلى التعبد بمقتضيات صفاته وآثارها، ثم يختمها بتجديد التوبة والانطراح بين يدي الله معترفاً بذنوبه منيباً إليه سبحانه؛ فمن وفق لذلك فاز الفوز العظيم. طريق الهداية سهل ممتنع، سهل على من أحسن قصده، وممتنع على من سلك غير سبيل المؤمنين، وطريق الهداية طويل، يحتاج مجاهدة وصبر ومصابرة، وصحبة صالحة تعينك على الثبات عليه، وعزيمة على المواصلة؛ فاللهم اهدنا الصراط المستقيم، واختم لنا عليه غير مبدلين ولا مغيرين. وبالشكر تدوم النعم، كلنا مقصر والنقص يعتريه، لم أتكلم عن شهادات ولا عن تجارة ولا عن ربح دنيوي – مع أهميتها إذا قصدنا بها وجه الله وطاعته- ولكن الربح الحقيقي أن تجد أبوين صالحين فتسارع في برهما، وزوجة صالحة تعرف قدرها، وأبناء بررة فيهم بذرة الخير فتنميها حتى تلحق صلاح الثمر، وأخوة تحبهم ويحبونك، وصحبة هم خير عون لك على الثبات في هذا الزمن الذي يعج بالفتن والمتغيرات. نصيحتي لنفسي وللقارىء الكريم الحرص على بناء أسرة صالحة، وصحبة صالحة؛ فهذان ركنان يقوم عليهما صلاحك وصدقك مع الله ، فلا تتأخر ولا تتأخري في هذا البناء، ولا تيأسوا. الأسرة بناء المجتمع، والمجتمع بناء الوطن؛ ولهذا ما سعى أعداء الله لشيء أعظم من هدم المرأة والأسرة؛ لأنهم يعلمون يقيناً أنهم أساس المجتمعات؛ فإذا فسد الأساس وذهب انهدم البناء. اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، اللهم من أراد بلادنا وديننا وعقيدتنا وأمننا بسوء فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، ولا تجعل له سبيلاً على المؤمنين.