ذلك النادي الأدبي القابع في زاوية ذكرياتنا الثقافية، تحيط به الجماهير ثم لا تدخل بابه إلا وقد تهيّأت للملل، وتكاثرت بالغياب، وانصرفت عنه لغيره آخر الأمر، هو بيتي القديم من أول «المدينة» حتى آخر «الرياض» لا أتذاكره زاجرًا، ولا أصادره زاخرًا، لكنني حتمًا أخاف عليه الزمن إن لم يبدّل هيأته التاريخية الجامدة، ويفتح للعصر أبوابه على مستوى الحدث والمكان، فأنديتنا الأدبية في جلها مبانٍ «تائهة» لا تنتمي للتراث، ولا تتسع لحاضرها.. ليس أكثر من قاعة ومايكرفون.. وصفوف صامتة تتناقص مع الوقت حتى لم تعد تكمل صفّا واحدا، دون إغفالٍ بالطبع لماضيه التنويري، وقيامه بدوره الزمني المؤثر والمهم، وهو واقعٌ آنيّ يدركه قبلنا القائمون على إداراته في مناطق المملكة كافة، لكنهم اكتفوا بما هم عليه وإن جاهدوا في محاولة خلق أنشطة اجتماعية متنوّعة إلا أنها كما يبدو هي الأخرى باتت مكرّرة ونمطية، ولم تعد جاذبة لتلك الجماهير التي تتكاثر في مناشط الحياة ثم تدير ظهرها لهذه البوابة المشعة طوال العقود الماضية، وبالتالي يبدو أن مستقبل هذا النادي أو ذاك آيلٌ للتحوّل إن لم يكن للزوال في ظل عجزه عن القيام بأدوارٍ عصرية تختلف جوهريّا عن أدواره الماضية، لهذا كم تمنيّت أن تبادر الأندية الأدبية بحسب إمكاناتها إلى تغيير شامل في حضورها الاجتماعي وتتقاطع بشكل مباشر مع الترفيه وجمعية الفنون.. لتشكّل بيتًا ثقافيا يستمد هويّته واسمه من خلال مدينته.. هكذا مثل بيت الرياض الثقافي.. جدة.. الدمام..الخ، وبموقع يتسع لمسرح ودار سينما ومعرض للفنون التشكيلية ومكتبات نوعية.. ومقهى ثقافي كبير، يرتاده الجمهور كملتقى لا يحتمل الوصاية ولا حتى الإدارة، وبالطبع يتحول المكان برمّته إلى مساحة ثقافية استثمارية متكاملة تموّلها رعايات وحقوق، وتوفر لمرتاديه اللحظة الثقافية المشبّعة بجودة الحياة حين تكون الثقافة بناء حضارة، وصياغة رؤية.. إن فكرة «أننا مجتمع ينفر من الثقافة» كمبرّر معلّب يردّده العاجزون وربما المنتفعون من هذا الركود والجمود التي تبدو عليه حال الأندية الأدبية، يجب أن تغيّب عن أذهان القائمين عليها، فمجتمعنا اليوم قارئ نهم ومقبل بشكل كبير على المناشط الثقافية متى ما تماهت مع احتياجاته وهويته الاجتماعية اليوم.. لهذا غيّروا وجودكم قبل أن تزداد غربتكم فينا، وينتهي أمركم حتى دون علمنا..!