كما هو متعارف عليه فالشائعة يؤلفها الحاقد وينشرها الأحمق ويصدقها الغبي، وعندما تحلل تلك المقولة المختصرة تجد أن الأغلب في أي شائعة ليس جانباً إيجابياً، وليست هي المصدر المفترض للمعلومة، فهناك قنوات تقوم بهذا الدور وعلى العلن ولها مصادرها، ولم يكن يوماً ما هدف الإشاعة إلا إثارة الفوضى والتشكيك وتناول أعراض الناس وإثارة سوء الظن والتجسس على الآخرين، فالأصل فيها الحقد والعدوان والحرب النفسية على الغير، الذي اختلف اليوم في نقل وسرعة وانتشار الشائعة توفر وسائل التواصل الاجتماعي، ففي السابق كانت الشائعة تنتقل من خلال سواليف النساء عندما يجتمعن لشرب قهوة الضحى، وأيضاً كانت المجالس أحد مصادر تداول الشائعات، وفي آخر الأمر لا تخرج من تلك الإطارات، ونعرف من قالها وماذا وراءه، ولكن اليوم أصبحت الأنامل هي من تلعب بأفكار ونفسيات الناس ومن خلال الهواتف الذكية. المحللون النفسيون يقولون: إن الإنسان قد يتجرد من الكثير من المعارف والخبرات والأشكال المختلفة للسلوكيات الحضارية التي اكتسبها خلال حياته ويعود لجذوره البدائية، وينفصل عن كل تلك المعارف عندما يتعرض للضغوط سواء فكرية أو بيئية، خاصة عندما يكون هشاً على مستوى شخصيته البدائية، خاصة عندما يكون بمفرده وبعيداً عن أنظار الناس، فتصدر منه الكثير من السلوكيات التي تخالف ما رسمها لنفسه اجتماعياً. وعندما يعود الإنسان إلى بدائيته لا تؤثر المفاهيم والمعارف والتجارب في فكره وسلوكه، فتظهر لديه نوازع الحقد والعدوان، وتتدهور لديه الأخلاقيات والقيم، خاصة قيم العدل والحرية وحقوق الإنسان، ويجد الشائعة أداة من الأدوات التي يفرغ من خلالها مكبوتاته. وتشير الدراسات النفسية إلى أن اضطراب الشخصية هو السمة البارزة لدى البعض ممن يعشقون نقل وصناعة الشائعات، فما يعرف بالشخصية السيكوباتية أو الشخصية المضادة للمجتمع وهي أحد اضطرابات الشخصية قد تجد في مثل هذه البيئة أنسب البيئات لها لممارسة العدوان على الآخرين وعلى المجتمعات؛ كون هذه الشخصية تتميز بذكاء تخطيطي، وبرود عاطفي، وعدم إحساسها بمعاناة وألم الآخرين، لذلك نجدها أكثر الناشطين في مجال صناعة ونقل الشائعات. اليوم ما يثير الدهشة والتساؤل الدور والمساهمة الواضحة للكثير من الرموز والمثقفين وأصحاب الرأي في نقل وإعادة صناعة وصياغة الشائعات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ولولا هذه المواقع لما اكتشفنا أن أولئك لديهم الكثير من المهارات والفنون في النقل والتحريف للشائعات، وقد تجد أحدهم أثناء الحديث أو التغريدة يبدأ كلامه بالتأكيد بأن هذه المعلومة هي من مصادر مقربة من الحدث أو ليؤكد أنه شخص واصل ويعلم ما لا يعلمه الآخرون، ليثير لدى الآخرين حب الاستطلاع وحشر الأنوف في أسرار الآخرين.