مشهد من أطرف ما يمكن يصور حقيقة الديموقراطية التي تتغنى بها الحكومة الإيرانية وجهازها الدبلوماسي، في حديثهم عن حرية الاختيار ونزاهة الانتخابات الحماسية كما يصفونها؛ مجلس صيانة الدستور تلك الجهة المسؤولة عن تحديد صلاحية المرشحين في انتخابات مجلس النواب بصفته القانونية وفي نفس الوقت يتولى التحقيق في شكاوى المرشحين المرفوضة أهليتهم من قِبَله، بصفته الفقهية الأشبه بالصفة القضائية؛ إذا شعرت بدوار مما تقرأه، سأوضح لك أن «أشكي منك إليك» أصبحت نغمة الرنين لشكاوى المرفوضة صلاحيتهم حتى يصبحوا نوابًا للبرلمان الإيراني وتحولت إلى كود خبري، تصدر قمة الأخبار المثيرة جدلًا في الداخل الإيراني خلال الآونة الحالية ومن المتوقع استمراره لفترة وجيزة، يرسم صورة لصراع محتدم بين ثنائية القطب السياسي في إيران على ساحة الجهة التشريعية في النظام الذي يُقال عنه أنه نظام جمهوري. فلقد رفض مجلس صيانة الدستور - أحد أسلحة النظام الإيراني التي وضعها تحت تصرف جبهة التيار الأصولي -أهلية ما يقرب من 6 آلاف مرشح في الانتخابات البرلمانية التي على مشارف انعقادها؛ ويمثل هذا الرقم التقريبي نسبة تتراوح بين 42 % إلى 45 % من إجمالي عدد المرشحين مما دفع أغلبهم إلى الإعراب عن احتجاجه على نتائج الفرز المبدئي بصفة رسمية في إطار شكوى «من وإلى» مجلس صيانة الدستور. وهنا تحديدًا علينا أن نطرح السؤال الرئيس لهذه المقالة؛ هل يمكن لأحد المعنيين بالأمر في إيران، التوضيح لنا كيف يكون مجلس صيانة الدستور حيادي بين قراره والتحكيم بينه وبين مشتكين قراره؟! يمكن الجزم بصورة شبه مؤكدة أن الدورة الحادية عشرة للبرلمان الإيراني سوف تكون في قبضة التيار الأصولي، فالتيار الأصولي هو جبهة المرشد في الداخل الإيراني؛ ومهمته الرئيسة هي شغل مساحة من المشهد السياسي في هذه الدولة، تزيد نسبتها على 51 %. كأننا نشاهد نسبة أسهم بين متنافسين في شركة استثمارية تحدد من سيصبح رئيس مجلس إدارة ال التِّرْكة؛ أقصد الشركة... في الحقيقة أنا لا أتحدث عن تركة أو شركة بل عن الثروات الإيرانية التي يتعامل معها خَلَفْ الخميني على أنها إرث المرشد المؤسس. ويدافع عنه مستميتًا من أجل إبقائه في يده. ربما يحصد تكتل الإصلاحيين على عدد لا يُذكر من المقاعد في الدورة الحادية عشرة للبرلمان وبالتالي سيضعف بصورة لم يسبق له الظهور بها خلال الدورات السابقة وفي المقابل ستصبح الكلمة الأولى في البرلمان للمتشددين السياسيين المقربين للمرشد. وبالنظر إلى ملفات المرشحين الأصوليين سنجد أن أغلبهم ارتدى الزي العسكري في السابق فسواء قاليباف أو ذو النوري، فكلاهما من الحرس الثوري ويترأسون المتنافسين على رئاسة البرلمان الحادي عشر وقد أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية أن 9 % من المرشحين «نحو 1500 مرشح» كانوا عسكريين في السابق. وربما تتضح الصورة الآن ونستنتج أن النظام الإيراني يبذل قصارى جهده للظفر بالسلاح الأمثل خلال الفترة الحرجة الحالية؛ ألا وهو البرلمان الإيراني. هل ستنتهي حيادية مجلس صيانة الدستور المزيفة بتأييد صلاحية المرشحين، أم سينتهي مصيرهم بتفعيل «إعداد ضبط المصنع!». * كاتب صحفي وباحث في الشؤون الإيرانية