على الرغم من وجود كم هائل من المشروعات التنموية في مختلف القطاعات سواء كانت اقتصادية أو عمرانية أو بيئية أو خدمية أو بنية تحتية أو خلاف ذلك، إلا أنها تفتقد في غالب الأمر إلى التأثير النوعي الذي يترك بصمة في الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي، مقياس النجاح الحقيقي لأي مشروع يقام في المدن يجب أن يخضع لمجموعة من الجوانب التي تدرس مستوى التأثير والجدوى اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً وعمرانياً. ينبغي لذلك وضع الاشتراطات التي تلزم أي مشروع تطويري للقيام بدراسة التأثير قبل إقراره لنتمكن من الوصول إلى برامج ومشروعات نوعية على مستوى مشروعات الجهات الحكومية ومشروعات القطاعين الخاص وغير الربحي لتبقى أعمالاً تخلد في ذاكرة التاريخ وتقدم الإضافة المختلفة في اقتصاديات المدن وتجعلها أكثر فاعليةً واستدامة من خلال تأثيرها الإيجابي على المجتمع. على مستوى مدن العالم لا توجد مثلاً ما أعنيه من برامج أو مشروعات ذات تأثير نوعي إلا القليل، وقد لفت انتباهي بعض الأفكار لبرامج ومشروعات أحدثت تغييراً نوعياً بعد تنفيذها، لعل من أبرزها: تجربة مؤسسة سويت واتر «Sweet Water» في شيكاغو التي قدمت مثالاً ناجحاً في التمكين الاقتصادي للسكان، حيث قامت بتطوير منطقة متكاملة تحتوي على مركز تجاري للبيع والتجزئة ومزارع مجتمعية تقدم التدريب المهني في الزراعة والتصميم والنجارة، مع توفير كافة التسهيلات والدعم للمستفيدين من التدريب في خلق فرص اقتصادية لهم وبالتالي رفع مستوى التمكين الاقتصادي للمستفيدين من المشروع. هناك أيضاً تجربة أخرى ناجحة على مستوى مشروعات القطاع غير الربحي تستهدف تقديم خدمات تيسيريه للمجتمع، حيث تقدم المؤسسة خدمات التخطيط والتصميم والبناء والتمويل لأصحاب المساكن الذين يوافقون على تأجير وحداتهم الجديدة للمستفيدين من قسائم الإسكان لمدة لا تقل عن خمس سنوات، ومن ذلك مشروع باك يارد هومز «Backyard Homes» الذي طور من خلال مؤسسة غير ربحية وهي مؤسسة «Más» «LA»، المشروع يوفر للمشاركين مجموعة من التصميمات للوحدات السكنية وتربطهم بالجهات المشاركة في عملية البناء والتمويل، وتقوم أيضاً بالمساعدة في تحديد المستأجرين ممن يحملون القسائم. أما المثال الآخر فهو تجربة جامعة أورانج في مدينة أورانج بنيو جيرسي، التي تبنت أدواراً مجتمعية ذات أثر ملموس في المدينة من خلال تقديمها دورات عامة ومفتوحة للمقيمين بالمدينة بالمجان، وتهتم الجامعة بزيادة فاعلية المشاركة المدنية من خلال التأكيد في متطلبات التخرج على أخذ دورتين تتمثل في المشاركة التطوعية وتخصيص أوقات لخدمة المجتمع وحضور اجتماع في المدينة. ما أتطلع إليه هو أن تدرك إدارات المدن في أهمية أن يكون هناك تأثير نوعي يقام فيها بحيث يتم العمل على وضع الآليات التي تضمن التأثير الإيجابي على المجتمع والبيئة الحضرية والصحة العامة والاقتصاد بشكلٍ عام. *متخصص في التخطيط العمراني والتنمية