مثل ما كان يوم 4 نوفمبر 2017م يوماً تاريخياً ومفصلياً للنزاهة ومكافحة الفساد في المملكة أُثبت فيه جدية الحكومة والقيادة في التعامل مع الفساد ومكافحة الفاسدين دون استثناءٍ، بدءاً من كبار المسؤولين ورجال الأعمال، كذلك فإنَّ يوم 12 ديسمبر 2019م وصدور الأمر الملكي رقم أ/ 277 والمتضمن إعلان الترتيبات التنظيمية والهيكلية المتصلة بمكافحة الفساد المالي والإداري هو بلاشك يؤسس لمرحلةٍ مفصليةٍ جديدةٍ في مكافحة الفساد بكلّ أشكاله والحفاظ على المال العام. وقد ظهرت الهيكلة الجديدة من خلال ضم هيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بعد تعديل مسماها لتهتم بالرقابة الإدارية ومكافحة الفساد المالي والإداري، وحماية النزاهة والشفافية؛ وهو ما يعني عملية دمج التحقيق والإدعاء الجنائي في القضايا المالية والادعاء فيها تحت هيئة واحدة؛ مما سيلغي التداخل في المهام والصلاحيات والمسؤوليات الذي كان يحصل بين الجهات الثلاث سابقاً، والذي كان يطيل أمد التقاضي ويلحق الضرر بمصالح الدولة والمُدّعى عليه؛ فيؤدي إلى عدم الوصول إلى النتائج المرجوة بسرعةٍ، إضافة إلى أنَّه من صلاحيات الهيئة الجديدة القيام بدور النائب العام بالدفاع عن مصالح العامة فيما يخص استغلال النفوذ والسلطة. والهيكلة الجديدة كذلك منحت الهيئة صلاحية اتخاذ ما يلزم حيال جرائم الفساد المالي والإداري ومرتكبيها، سواءً كانوا أشخاصاً بصفةٍ طبيعيةٍ، أو اعتباريةٍ، مع دراسة مدى مناسبة شمولية اختصاص الهيئة للقطاع الخاص والجمعيات والمؤسسات الأهلية وما في حكمها أيضاً. وقد اشتملت الترتيبات الهيكلية والتنظيمية من وجهة نظري على مادةٍ مهمةٍ جداً تختص بالزيادة المفاجئة للثروة لدى الموظف العام على مبدأ "من أين لك هذا؟"؛ فبات من حق هيئة الرقابة ومكافحة الفساد مساءلة الموظف الحكومي ومن في حكمه بعد توليه المنصب عن أية زيادة طرأت في ثروته بعد المنصب لا تتوافق مع دخله وموارده، ويشمل ذلك جميع الأموال النقدية والعينية، بما فيه أموال الزوجة والأولاد والأقارب بالشكل الذي يجعله تحت المساءلة القانونية والعقوبة، إذا عجز عن تقديم ما يثبت المصدر المشروع للأموال والدخولات. كما للهيئة الحق في استرداد الأموال المنهوبة والمثبتة بالجرم لخزينة الدولة، وقد سمح لها النظام كذلك أن تتحصل بشكلٍ ملزمٍ وصريحٍ على كافة المعلومات من مؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية، بما يخص الحسابات الاستثمارية والنقدية للمدَّعى عليهم وكذلك منحها حق ملاحقة المتهمين حال هروبهم خارج المملكة. وأخيراً من المهم علينا جميعاً أن نتذكر دوماً أن الفساد هو العقبة المانعة لعجلة التنمية في مختلف الميادين وجميع المجتمعات وقد قطعت المملكة أشوطاً فعلية في محاربة الفساد وتحقيق الشفافية وما الترتيبات الهيكلية والإدارية والحفاظ على المال العام، إلَّا خطوة تنظيمية في الاتجاه الصحيح، نحو تحقيق رؤية المملكة 2030 التي كان من مرتكزاتها مكافحة الفساد.