سنوات طويلة طوت معها الأيام التي عاشتها "حنين" بعد أن غابت عنها صديقة عمرها المقربة والتي ربطتها بها علاقة وثيقة امتدت قرابة 10 أعوام، كانت خلالها لا تحسن أن تفعل شيئاً سوى معها، فالدراسة كانت معها، والخروج إلى الأسواق معها، والتنزه كان معها، تلك العلاقة التي توجت بالكثير من المحبة والود كانت شاهداً على علاقة بنتها السنوات وهي مليئة بالثقة بأن كلا الطرفين لا يمكن أن يغدر أو يختلف، وفي لحظات معينة تبددت تلك العلاقة ووجدت "حنين" أن صديقتها تلك بدأت تنسحب من حياتها، حتى غابت ولم يعد هناك ذلك الود والذي كان موجوداً، والأسباب مبهمة والعلاقة منتهية، لكنها تدخل في إطار "الصمت" الذي لم يترك خلفه تفسيراً لعلاقة لطالما تغنى الصديقتان بمدى قوتها، ولكنها تنتهي من دون سبب واضح، وتخرج عن إطار العلاقات الحميمة من دون مواجهة، ومن دون نقاش، ومن دون أن يكون هناك لقاء أخير يتوج نهاية تلك العلاقة. وأكد العديد من الأفراد الذين عاشوا مثل تلك النهايات لعلاقات ربطتهم بأناس كانوا يعتقدون بأنهم النصف الآخر لهم في الحياة ثم انتهت العلاقة بصمت ومن دون أن يحدث الحديث الذي كان لابد أن يحدث، بأن مثل هذا النوع من النهايات لشكل بعض العلاقات للأسف تترك أثراً بالغاً في نفس أصحابها يبقى لسنوات طويلة ذي بصمة على شكل تعاطيهم مع الآخرين، ذلك لأن المرء حينما يمنح ثقته للآخر ويجد بأن تلك المشاعر قوبلت بالجحود أو الانسحاب غير المتوج بالمواجهة، فإنه يفقد ثقته بأي علاقة يمكن أن تقابله في نصف الطريق، فمن المؤلم أن ينهي البعض العلاقة من دون أن يضعوا لها نهاية تليق بحجم تلك العلاقة التي ربطت بين شخصين، لذلك فإنها تبقى لسنوات طويلة موجعة لأصحابها. أثر بالغ ورأت عاتكة الحسين -ممثلة مبيعات في إحدى الشركات- أن العلاقة حينما تنتهي من دون أن يكون هناك أسباب حقيقية وواضحة يدار حولها الرأي في تلك العلاقة بين الطرفين فإنها للأسف تترك أثراً بالغاً في القلب لا يمكن تجاهله، ويبقى مثل هذا الشخص الذي عاش ذلك النوع من العلاقات التي يمكن أن نسميها علاقات مبتورة كلما تذكر ذلك الشخص يشعر بجرح غائر بداخله، لأنه شعر بأن المحبة التي قدمها للطرف الآخر لم تكن في المكان المناسب لها، وللأسف أن إنهاء العلاقة أو الانسحاب منها من دون حدوث المواجهة أو ذكر الأسباب يدل على الجبن والضعف، وعدم قدرة ذلك الطرف على المواجهة، لذلك فإنه من الأفضل ألا نعاني من نهاية بهذا الشكل. تشافٍ من الألم وقالت أسماء البوحميد -سيدة أعمال-: إن الحب لكي يحدث بين طرفين يجب أن يكون هناك ارتباط روحي وقيمي حقيقي، إلا أن المشكلة حينما يتوهم البعض أن المشاعر التي يشعر بها تجاه الآخر حقيقية، من دون أن يتنبه لعنصر التوافق الأخلاقي مع الآخر أو القيمي، لذلك يحدث الخذلان في العلاقة وتنتهي العلاقة بصمت وكأن الطرف الأول لا يحق له أن يتلقى التفسيرات والأسباب لانسحاب الطرف الثاني، وفي هذا النوع من الصمت تقليل قيمة ولا مبالة لمشاعر الطرف الأول، مبينة أن العديد ممن يعيش علاقة انتهت من دون أن تحدث المواجهة بين طرفين حتى إن كانت معلومة الأسباب فإنه للأسف غالباً ما يبقى في تلك الدائرة المغلقة التي تؤلمه؛ لأنه يشعر بأنه لم يقل كلمته الأخيرة، ولم يسمح له أن يقول رأيه في علاقة بنى عليها الكثير من الآمال سواء علاقة صداقة أو علاقة ارتباط بين شخصين فالأمر سيّان، ولذلك من الأفضل في مثل هذا النوع من الانسحاب أن يحاول المرء التشافي من ألم الصمت والانسحاب، وأن يبدأ من جديد ولا يترك للحزن مجالاً لإفساد علاقاته الأخرى؛ لأنه دائماً هناك علاقات صادقة ومستمرة بالوفاء. انزعاج وأوضح طلال الناشري -رئيس جمعية العلاج الآمن بجدة- أن أي علاقة تتم بين طرفين فإنها تكون في إطار معين يحكمها، فالعلاقات تختلف باختلافها وتستمر في حدود ذلك الإطار، فهناك علاقة تنمو بين طرفين كعلاقة الصداقة وتكبر مع مرور الوقت ويحدث بها المودة والتقارب، ولكن مع مرور الوقت يشعر أحد الطرفين بأنه أصيب بالملل أو أصبح غير متقبل لتلك العلاقة ولا تتفق العلاقة مع أهدافه، فيحاول أن ينسحب ويعود بالعلاقة إلى إطارها الواقعي، فتدخل في إطار العادية السطحية ويحدث الانسحاب أو الصمت، في حين أن مثل هذا النوع من العلاقات لا ينطبق على علاقات العمل على سبيل المثال والتي نجدها أنها تبقى في إطار التعامل اليومي بحكم العمل، ولكن إذا ما حدث أن قام هذا الموظف بأخذ إجازة أو انقطع عن العمل فإن علاقة العمل تنتهي، لأن الرابط لم يعد موجوداً وهذا النوع من الانقطاع حالة طبيعية، مشيراً إلى أنه من غير المنطقي أن يحدث الصمت أو الانسحاب بين طرفين كانت تربطهما علاقة وثيقة من دون أن يكون لذلك الصمت والانسحاب أسباب واضحة، فلابد أن يكون هناك انزعاج أو أسباب دفعت أحد الطرفين للتخلي عن الآخر فيفضل أن ينسحب بهدوء من دون أن تحدث المواجهة، ذاكراً أن البعض يهرب من المواجهة لأنه لا يرغب في تأكيد خسارة العلاقة بشكل واضح، فيفضل أن ينسحب بصمت مع المحافظة على بقية العلاقة وحتى لا تتحول العلاقة من الصداقة إلى العداء، فتصبح سطحية. معادلة متوازنة وشدد الناشري على ضرورة أن يعرف المرء كيف يختار الأشخاص الذين يدخل معهم في علاقات متينة، بأن يحدث التقارب الحقيقي بينهما والصدق في المشاعر؛ لأن المجتمع يختلف بأنواعه من فئة لأخرى، فهناك أشخاص تحافظ على قيمها وأخلاقياتها في التعاملات، في حين لا يتصف البعض بذلك النوع من الصدق والأخلاقيات فيحدث الاختلاف، لذلك لابد أن يبقي الشخص علاقته بالآخرين في إطار السطحية حتى يتأكد من وجود التقارب الحقيقي بينه وبين الآخر، مضيفاً أن الحل في هذه العلاقات التي يحدث بها الصمت والانقطاع الاختيار الدقيق للشخص الذي يمكن أن يتم الارتباط العاطفي معه، فلابد من أن تدخل العلاقة في الإطار السليم الذي يخلق بين الطرفين المعادلة المتوازنة في وجود مشاعر متبادلة حقيقية، فالحل في حسن الاختيار منذ البداية، فلا يتعجل المرء في اختيار أصدقائه أو الدخول مع طرف علاقة متينة دون أن يعرف كيف هي أخلاقيات الآخر وما النقاط المشتركة بينهما. صدمة الخذلان تجعل الشخص يتوارى بعيداً عن الناس