مهرجان ميدل بيست أقيم خلال الفترة ما بين 19 و21 ديسمبر 2019، ما يعني أنه استمر لثلاثة أيام أو 72 ساعة، ولكنه أحدث ضجة كبيرة في الداخل والخارج، رغم عمره القصير جداً مقارنة بموسم الرياض الذي يحتضنه، والسبب لا تربطه علاقة بفعالياته التي انطلقت من خمسة مسارح، فقد تناقلت منصات التواصل الاجتماعي سلوكيات متجاوزة مارسها بعض مرتاديه في قضيتين منفصلتين، وتحديداً 33 شاباً وشابة، وقد وجهت تهمة التحرش للرجال من بينهم فيما وصف النساء بأنهن تصرفن على نحو خادش للحياء ومناف للآداب العامة، وهو اتهام صحيح في شكله الخارجي، ولا بد من عقوبة تمنع تكراره، إلا أنه في التفاصيل يقول شيئاً إضافياً. التصرفات غير المقبولة في المهرجان تؤكد مجموعة من الأفكار النفسية، أو حتى نكون أكثر دقة، تأتي معززة لما استقرت عليه نظريات المدارس الغربية في علم الاجتماع، ومن بينها، (نظرية نسبة الجنس) التي تقول إن كثرة النساء في مكان العمل تحرض على التحرش، وتفسر دافع الرجل المتحرش بأنه لا يخرج عن محاولة الحفاظ على سلطته وأحساسه بالرجولة، و(نظرية الفرصة) واعتبارها أن حدوث التحرش يحتاج لوجود هدف متحرش به، وشخص متحرش، وغياب الحماية الكافية لمنع التحرش، وعدم وجود رقابة داخلية عند الطرفين، وعدم وجود ضبط اجتماعي أو نظامي، وتعتمد النظرية على فكرة أن الفرصة تصنع الجريمة، بالإضافة إلى (نظرية نمط الحياة) ومقاربتها المختلفة التي تعتقد أن الضحية تقدم للجاني الإغراءات الكافية لتحفيزه على التحرش بها، وأن سلوك المتحرش جاء كنتيجة لنمط حياة المتحرش به وما ينطوي عليه من إغراءات موجهة بقصد أو من دون قصد. في روما القديمة كانوا يقدرون عقوبة التحرش بالملابس ودرجة احتشامها، والمعنى أنه كلما كانت الملابس محتشمة زادت العقوبة، وكلما تراجع الاحتشام تراجعت العقوبة، واعتقد أن الرومان وأهل الحضارات القديمة كانوا يفكرون من خارج الصندوق، وإلا كيف لهم أن يأتوا بمثل هذا التكييف القانوني الخلاق، وفريق من النفسانيين استقر على أن الإنسان كائن مؤذٍ ويحمل في دواخله سلوكيات اجتماعية غير منسجمة، وهذه السلوكيات لا يمكن ضبطها إلا بالترهيب والعقاب الرادع، والكلام يشمل التحرش ومخالفات الذوق العام معاً، وفي أميركا يعد التحرش شكلاً من أشكال العنصرية ضد الآخر المختلف في جنسه، ويصنفه الاتحاد الأوروبي بوصفه عنصرية واعتداء على الكرامة. لا أحد يختلف أن ما حدث من الفريقين مستفز، وأن كلاهما قدم صورة لا تعكس واقع مجتمعه ولا قيمه ولا أخلاقه، ولعل أجواء المهرجان ساعدت في خروج التصرفات المخالفة، تماماً كما يحدث في المهرجانات المشابهة، ولا بد من تفعيل جانب الوقاية من قبل المنظمين والمتحرش بهن. كل ما قيل يكشف عالمية سلوكيات التحرش والممارسات الخارجة، وأنها ليست خاصة بمجتمع أو بجنسية أو دولة دون غيرها، والسعوديون لا يقبلون بالتأكيد أن يوصف الشباب من الجنسين في بلادهم بأوصاف لا تليق، أو أنهم خارج التاريخ والجغرافيا والحضارة، لمجرد أن فئة صغيرة خرجت عن السياق العام، ولن يسمحوا للظلاميين وأصحاب الأجندات والمصالح الخاصة بالاستثمار في شواذ الأفعال والأقوال لتسويق تصوراتهم المأزومة.