احتمال أنك سمعت بكتاب أُنشِئت لتدوم (Built to Last)، ينصح به البعض بحماسة، وله شهرة وإقبال ومبيعات، وفكرته أنه يقارن بين الشركات الناجحة والضعيفة، ويوضح سبب تفوق الشركات الناجحة، ومثل هذه الكتب لها رواج، ومن أشهرها «البحث عن الامتياز In Search of Excellence»، و»من جيد إلى عظيم Good to Great»، فيذكر بعض أضخم شركات العالم، ثم يعدد العوامل التي نقلتها لمصاف العظماء، لكن العالِم دانيل كانمان نبّه لأن هذه الكتب خاطئة، فقد وقعت ضحية لعدة أخطاء تفكيرية، من أبرزها تأثير الهالة والرجوع إلى المتوسط. تأثير الهالة هو أن تُسبغ صفات إيجابية على شيء ما فقط لأن له صفات أخرى إيجابية، فترى شخصاً حسن المظهر، فتفترض أنه كفء في عمله، أو ترى ممثلاً بارعاً فتعتقد أنه ودود، ومن ذلك أن ترى شركة ناجحة فتعتقد أن لها صفات إيجابية أخرى كثيرة، ولو لم يكن هناك أي دليل على ذلك، لكنه خطأ تفكيري شائع. الخطأ التفكيري الثاني الذي تقع فيه هذه الكتب هو الرجوع إلى المتوسط، وهي نظرية تعني أن الناس لا يستمرون على أداء واحد، فالشخص تأتيه فترة ينتج ويبدع فيها، وتأتيه فترة فتور، وبينهما فترة التوسط العادية، والتي يستقر فيها معظم الناس، وخطأ هذه الكتب أنها تأخذ الشركات في فترة التميز فتسلط عليها الضوء وتبرز نجاحاتها وكأنه شيء دائم، بينما الحقيقة أنه تميز مؤقت، وللحظ والعشوائية دور في الحياة كما يقول كانمان، لكن تلك الكتب تغفل عن ذلك، ويستدل كانمان بأن كل الشركات التي استشهدت بها تلك الكتب قد تعثرت في أول سنين بعد نشر الكتب، وواجهت مشكلات مالية وقيادية كبيرة وبعضها قارب الإفلاس. إن تلك العوامل المتعددة هي التي صنعت الفرق، وليس المبادئ التي زعم المؤلفون أنها سبب النجاح. ما دامت تلك العوامل والأخطاء التفكيرية موجودة فلا يمكن الاعتماد على دراسات تجد اتساقاً شديد التنظيم بين أداء الشركات. الحياة أكثر عشوائية من أن تسمح بشيء مطّرد لهذه الدرجة.