الخميني كرّس أخطر الأنظمة السياسية دكتاتورية وإرهاباً في العالم كيف أرسى الملالي سياسة إرهاب الدولة في حق المجتمع الإيراني الشعب الإيراني ضاق ذرعاً من النظام وممارساته العنيفة والقمع والاعتقالات وعمليات الإعدام نظام الملالي راهن على استراتيجية متطرفة ثلاثية الأبعاد.. القمع والتنكيل.. تصدير الثورة وصناعة المرتزقة التماهي بين الاستراتيجية الإيرانية والاستراتيجية الإخوانية يظهر في تبادل الأدوار ومحاولة تقسيم النفوذ بين إيرانوتركيا النظام الإيراني حطم الرقم القياسي العالمي في تنفيذ عقوبة الإعدام دون محاكمة رأينا في الحلقة السابقة كيف ساهمت مجموعة من الشروط الذاتية والموضوعية في إرساء قواعد الحكم الشمولي لنظام الخميني في إيران، وكيف قام هذا الأخير، وبمجرد اطمئنانه لنجاح الثورة، بالتخلص من جميع رموز المعارضة لنظام الشاه، سواء بالإعدام أو النفي، لينفرد الملالي بحكم إيران ويعملون على تكريس أخطر الأنظمة السياسية دكتاتوريةً في العالم. لقد راهن نظام الملالي في إيران على استراتيجية متطرفة ثلاثية الأبعاد، تتلخص أضلاعها في مواصلة سياسة القمع والتنكيل في الداخل، والتي تمت شرعنتها بفتاوى على المقاس من طرف رجال الدين الشيعة الذين تشربوا عقيدة الولي الفقيه، وفي الخارج تم اعتماد استراتيجية "تصدير الثورة" و"صناعة المرتزقة" والذين كانوا عبارة عن يد إيران للبطش بالشعب الإيراني وأيضا بالدول التي لا تنظر بعين الرضا والاطمئنان لسياسة طهران التوسعية في المنطقة. هذه الاستراتيجية التوسعية عبر عنها صراحة رجال الدين في إيران حين سطروا ما أطلق عليه "الخطة الخمسينية لآيات قم"، وهي الخطة التي أكدها قائد فيلق القدس قاسم سليماني حين صرح في فبراير/ شباط 2014 بالقول: "لا توجد دولة أخرى غير إيران قادرة على قيادة العالم الإسلامي". تماهي الملالي والإخوان ولعل القارئ العربي أصبح قادرا على ملاحظة التطابق والتماهي بين الاستراتيجية الإيرانية والاستراتيجية الإخوانية على اعتبار أن كليهما يسعى لبسط سيطرته على العالم مع اختلاف بسيط في التكتيكات المعتمدة عند كل طرف على حدة: الأول من خلال رغبته في نشر العقيدة السياسية لولاية الفقيه في جميع ربوع العالم الإسلامي، ورغبة الثاني في "أستاذية العالم" وإخضاع الكرة الأرضية لحكم المرشد. هذه الطموحات تفسر، إلى حد كبير، تطابق التصريحات بين الملالي في إيران وتيار الإسلام السياسي في تركيا والذي يقدم نفسه كممثل شرعي للعالم الإسلامي السني. ويمكن القول إن تفعيل هاتين الاستراتيجيتين هو بمثابة تبادل الأدوار ومحاولة تقسيم النفوذ بين إيرانوتركيا، وهو ما يتطابق مع الطرح الاستراتيجي الذي نظر له مستشار الأمن القومي الأميركي زبغنييف بريجنسكي في كتابه المرجعي "رقعة الشطرنج الكبرى"، وهي الاستراتيجية التي سنعود لها بغير قليل من التفصيل في الحلقات المقبلة لفهم السكوت غير المفهوم لبعض القوى العظمى على بعض التجاوزات التي تورط فيها النظامين التركي والإيراني. رقم عالمي في الإعدام وبالعودة إلى مظاهر ديكتاتورية الملالي في إيران نجد بأن حجم الجرائم والإرهاب الذي مارسه هذا النظام في حق الشعب الإيراني دفع المجتمع الدولي إلى الوقوف والانتفاض ضد هذه التجاوزات، وهو المعطى الذي دفع منظمة العفو الدولية التابعة للأمم المتحدة إلى اعتبار النظام الإيراني قد حطم الرقم القياسي العالمي في تنفيذ عقوبة الإعدام دون محاكمة. كما تم التصويت شهر ديسمبر من العام الماضي على قرار إدانة نظام الملالي للمرة 65 بسبب انتهاكه لحقوق الإنسان وذلك خلال جلسة رسمية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وجاء في أحد فقرات التقرير ما نصه: "لقد شدد المسؤولون الإيرانيون على قمع الحريات وحرية التجمعات السلمية وسجنوا مئات الأشخاص بتهم مبهمة وأمنية واسعة. ومن بين الأفراد الذين تم استهدافهم بعمليات القمع يمكن الإشارة إلى المراسلين والطلاب، الكتاب، نشطاء حقوق المرأة، نشطاء حقوق الأقليات، نشطاء البيئة، اتحاديات العمال، محامو الأشخاص الذين يبحثون عن الحقيقة، المطالبين بالعدالة وتعويضات الإعدامات الواسعة والمختطفين في الثمانينيات". نفس المعطى انتهى إليه الاتحاد الأوربي حين صنَّف، بقرار جماعي، النظام الإيراني في خانة "الأنظمة الإرهابية"، وهو ما دفع المعارضة الإيرانية والمجتمع الدولي إلى اعتباره نظاما غير شرعيا. من جانبه وصف جيلبرت ميتران (أحد أبناء الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران) 40 سنة من حكم نظام الملالي بالقول: "الشعب الإيراني ضاق ذرعا من النظام وممارساته من العنف والقمع والاعتقالات وعمليات الإعدام، مع أكبر ازدراء لحقوق الإنسان. أربعون سنة من التعذيب والموت والمذابح ضد الناس الذين يقاتلون من أجل حياة أفضل وحريتهم. نحن الآن متحدون لدعم تطلعات هذا الشعب، وتغيير النظام، والتحول الديمقراطي، والتناوب في السلطة. يجب أن تضع العلاقات الدولية هذا في الحسبان. هذا البديل ممكن، هذا البديل موجود، هذا البديل موجود، تحيا إيران الديمقراطية". ولعل ما قاله جيلبرت ميتران يمثل القناعة التي وصل إليها المجتمع الدولي، على اعتبار أن البيئة الاستراتيجية التي نعيشها ترفض مثل هكذا أنظمة قائمة على الحكم الشمولي والإرهاب والقمع والتنكيل ونهب أموال الشعب بطرق مختلفة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه القناعة لم يعبر عنها ميتران أو المعارضة الإيرانية لوحدهم، بل تكاد تكون قناعة عند كل من خبر إرهاب الدولة الذي مارسه، ويمارسه يوميا، النظام الإيراني في حق شعبه الأعزل. وضع حرج في هذا السياق، قال أحمد غزالي، رئيس الوزراء الجزائري الأسبق على عهد الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد، محذرا أوروبا بالخصوص: "إن الوقت متأخر، ونحن نرى بوضوح أن الشعب الإيراني بعد الدكتاتورية التي لا توصف، ديكتاتورية الشاه، فقد وجد نفسه تحت ديكتاتورية قاسية أكثر... إن قضية المقاومة الإيرانية معروفة الآن في جميع أنحاء العالم. السلطة في إيران في وضع حرج، والوحش الخطير في الخليج أكثر خطورة. يجب أن يدرك أصدقاؤنا الأوروبيون أن إرهاب الدولة الإيراني سيزداد أكثر. الحركة الشعبية في إيران لا يمكن التراجع عنها". لقد عمل النظام الإيراني على تكريس أبشع أنواع الحكم الديكتاتوري في التاريخ المعاصر، نظام يقوم على أساس الخضوع الأعمى للولي الفقيه والالتزام العملي بتعليماته كقاعدة أساسية لأي عضو أو مسؤول في الأجهزة الحكومية. هذا المنطق تفرضه طبيعة الحكم في إيران على أساس أن الولي الفقيه يستمد مشروعيته وحكمه من الله مباشرة، وبذلك لا يملك أحد صلاحية محاسبته لأن ذلك يمثل افتئاتا على حكم الله تعالى. نحن إذا أمام حكومة مطلقة مثل حكومات القرون الوسطى (الحكم الكنسي) التي عانت منها شعوب العالم والتي لا تمت بأي صلة لحكومات المجتمع الإنساني المتمدن الذي تنظم علاقاته الداخلية والخارجية ترسانة من القوانين والأنظمة والمواثيق المحلية والدولية المعترف بها والمقبولة من الجميع. وأمام صحوة الضمير التي عبر عنها المجتمع الدولي، والتي تلتقي في ضرورة تغيير النظام السياسي في إيران على اعتبار أنه يمثل حالة شاذة في المشهد الدولي، نجد أن نظام الملالي لجأ إلى منطق العنف والإرهاب، والترويج لنظرية "المؤامرة" لتبرير هجمته الوحشية على الشعب الإيراني والذي يرفع مطالب اجتماعية واقتصادية يُجمع العالم أنها تدخل في خانة المطالب المشروعة. في هذا الصدد، لم يكتف النظام الإيراني باللجوء إلى قوى الأمن والجيش للتنكيل بالشعب الإيراني، بل لجأ إلى بعض المرتزقة من دول أخرى والذين سمح لهم الملالي باستباحة دماء الشعب الإيراني. وهنا نجد، على سبيل المثال لا الحصر، أن النظام الإيراني لجأ إلى من يطلق عليهم "كتائب الفاطميون"، وهم شرذمة من عملاء النظام الإيراني الذين قدموا من أفغانستان لقمع المظاهرات في مدينة مهرشهر بمحافظة كرج قرب طهران العاصمة شهر نوفمبر الماضي. وليست هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها النظام الإيراني لهؤلاء المرتزقة الأفغان بل سبق وأن تم استغلالهم في المجازر التي ارتكبها النظام الإيراني في حق الشعب السوري، حيث تنقلت كتائب الفاطميون بالآلاف في اتجاه سوريا ومارست أبشع أنواع الجرائم في حق الشعب السوري. وعي جماعي إن جرائم الإبادة الجماعية التي يمارسها النظام الإيراني في حق المعارضة الإيرانية وشعبه من جهة، والمجموعات العرقية من جهة أخرى، خلقت حالة من الوعي الجماعي في الداخل الإيراني، وحالة من الإجماع الدولي خارجه حول ضرورة رسم نهاية لهذا النظام الذي زرع الرعب والخراب ونشر الإرهاب في قارات العالم الخمس. هذا الهدف السياسي الأسمى لا يمكن تحقيقه إلا بمواصلة الضغط على هذا النظام الشمولي وتشديد الإجراءات العقابية عليه وقطع مصادر قوته ومواصلة فرض العقوبات الاقتصادية على شركاته وأصوله المالية، مع ضرورة محاكمة رموزه المتورطين في جرائم التعذيب والإرهاب في الداخل والخارج وهي المداخل الحصرية لرسم نهاية حتمية لهذا النظام الفاشي. ونعتقد أن النجاح المرتقب للثورتين في العراق ولبنان، والحراك الذي تعرفه معظم المدن الإيرانية، وكذا الدعم الدولي الذي استطاعت الحصول عليه المعارضة الإيرانية، كلها مؤشرات على قرب نهاية حكم الملالي في إيران ومعها 40 سنة من الإرهاب داخل إيران وخارجها. ونختم بما وصل إليه الكاتب سلام سرحان حين قال "لو كانت الاحتجاجات في بلد واحد، فإن فشلها يمكن أن يكون مرجحا، مهما كان حجم الانتفاضة، لكن انفجارها في العراق ولبنان وإيران سيمنع انحسارها في أي بلد منها". إن نهاية هذا النظام، في تقديرنا، هو "مسألة وقت" وسرعان ما سيتم إسقاط هذا النظام الذي اقتنع الجميع بأنه نموذج ل"أسوأ ديكتاتورية في العالم" و"الراعي الرئيس للإرهاب في العالم". في الحلقة المقبلة سنحاول التطرق إلى البيئة الاستراتيجية التي ساعدت على استمرار النظام الصفوي قبل الحرب الباردة وبعدها، وأمدته بمقومات القوة والاستمرارية، وهي المبررات الاستراتيجية التي لم يعد لها ما يبررها في وقتنا الحاضر. حزب الله.. والحوثي والحشد الشعبي.. مرتزقة النظام الإيراني