لكل زمان دولة وعلماء، هكذا علمتنا دروس الحياة، بالأمس القريب كان الإعلام التقليدي هو السائد في الساحة، واللاعب الرئيس، إعلام محكوم بفئته النخبوية وبمرجعيته وقيادته الإعلامية، وبمكانه وزمانه وتقاليده وأدواته ووسائله المضبوطة، فلا يكاد يلتحق بهذا المجال إلا من توافرت فيه شروط العمل، ولا تظهر المادة الإعلامية للجمهور إلا بعد متابعة ورقابة وتنقيح، لكن سرعان ما ظهر في الساحة لاعب جديد هو ما نسميه الآن بالإعلام الجديد. الإعلام الجديد تخلص من تقليدية الإعلام، فلا يحتاج ممارسة لشهادات إعلامية ولا مكانا محددا ولا وسيلة إعلامية محددة للنشر والتوزيع ولا طواقم إعداد ولا أدوات ووسائل معقدة، كل ما في الأمر جهاز هاتف ذكي، أو جهاز حاسوب متطور، وتطبيقات مبسطة. الأمر في مجمله مريح ومبشر لكنه يحمل في طياته مخاطر كثيرة، يجب الانتباه لها، فبعض العقول التي تكتب وتنشر ليست مؤهلة لتوجيه وقيادة الجمهور المتلقي، وتتداخل الأهداف وتتعدد الأغراض من محتوى المادة المنشورة، وتزداد الخطورة أن بعض المتلقين تنقصه الخبرة في الانتقاء والتمحيص فيقع فريسة لبعض النوايا السيئة. اخترق الإعلام الجديد جدران البيوت ونهش أسرارها وشكل سلوكها وأفكارها وغالب ذلك الفكر والسلوك غث ورديء. أضاع هذا الإعلام قيمة الوقت فهناك من يقضي الساعات الطوال على مواد إعلامية هابطة وانطوى على نفسه وغادر حظيرة الجماعة وهجر الأحباب والأصحاب، وهز القيم والمبادئ والثقافات وشكك في الثوابت. هذا ومع يقيني أن كل ما ذكرته آنفاً هو الوجه القبيح المرعب للإعلام الجديد، وهناك وجه آخر جميل ومشرق لهذا الإعلام الذي سهل التعاطي مع الإعلام وجعله في متناول الجميع دون شروط وتعقيدات وسهل انتقال الخبر وجعل الكرة الأرضية قرية صغيرة والناس فيها أسرة واحدة وصقل المواهب وطور المهارات ونقل العلم والمعرفة.