يقول الله تبارك وتعالى: «وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ»، وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك»، وفي رواية مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - «يقاتلون على الحق ظاهرين حتى تقوم الساعة». في الآية الكريمة والحديث الشريف دليل على كثرة أهل الضلال وكثرة الفتن آخر الزمان، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله - عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء»، والغرباء كما قال شيخنا العلامة ابن باز - رحمه الله -: هم أهل الاستقامة. وأن الجنة للغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس؛ فالإسلام بدأ غريبا في مكة ولم يؤمن به إلا القليل وفي آخر الزمان يستقيم القليل عندما يتأخر الناس عن دين الله بالكفر به أو بكثرة المعاصي والشرور، فالأغلبية الساحقة ليست بكثرة عدد إنما بالاستقامة على الحق والثبات عليه وإن ضل أكثر الناس وتأمل قول الله: «بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون»، وتأمل كلام الطبري - رحمه الله - في تفسيره للآية: «أي ينزل الحق من عندنا وهو كتاب الله فيدمغ الكفر ويهلكه كما يدفع الرجُل الرجلَ، فيشجه على رأسه شجه لا حياة بعدها» وهكذا يضمحل الباطل أمام الحق فيسحقه بقوه الله ولا ينفع الباطل كثرة عددهم أو تكالبهم. وفي قوله تعالى: «وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً»، يقول ابن كثير - رحمه الله -: الآية تهديد ووعيد لكفار قريش؛ فإنه قد جاءهم من الله الحق الذي لا مرية فيه ولا قِبَل لهم به وهو ما بعثه الله من القرآن والإيمان والعلم النافع وزهق باطلهم أي اضمحل وهلك، فإن الباطل لا ثبات له مع الحق ولا بقاء. الحق بما وافق الكتاب والسنة وإن قلّ متبعوه وليس بعدد ولا عتاد، فلم تقف صناديد قريش ولا جنود الروم ولا حصون كسرى وقيصر ومملكتهما أمام الحق الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وقام به أصحابه - رضي الله عنهم - من بعده، وسيبقى هذا الحق باقيا وقائما إلى قيام الساعة وإن ضعف المسلمون وتخاذل المتخاذلون؛ فإن الحق ساحق لا يمنعه كثرة ولا قوة وسيظل القائمون به وإن قل عددهم وتكالب الباطل على إيذائهم، سيظلون قائمين عاملين بالحق ثابتين عليه؛ فاللهم اهدنا للحق وثبتنا عليه واختم لنا به غير مبدلين ولا مغيرين.