أحيانًا أسأل الصديق طيب الذكر والسُمعة الأستاذ الراوية عبدالمحسن العلي – مدير مكتب رئيس تحرير مجلة العرب - عن صديقه الشيخ المؤرخ الأديب عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ - رحمه الله - الذي دائمًا حينما يزور الرياض لا بد أن يرتاد مقر مجلة العرب، التي كان موقعها بشارع الملك فيصل "شارع الوزير"، فهو - رحمه الله - يأتي في الصباح الباكر ويمكث في هذه المجلة، سواء كان المؤرخ حمد الجاسر - رئيس تحرير المجلة - موجودًا أو غير موجود، فكانت هذه المجلة وكذا دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر في مقر واحد، وعرفه الأستاذ عبدالمحسن العلي تمام المعرفة من خلال هذه الزيارات المتكررة والدائمة للمجلة، بل كان عبدالمحسن العلي وعبدالرحمن آل الشيخ أحيانًا يذهبان معًا خارج المجلة لتناول طعام الغداء في أحد المطاعم بمدينة الرياض، الذي كان الشيخ عبدالرحمن تناسبه الوجبات التي تقدم في هذا المطعم، وذلك قبل 35 عامًا، وقد وصفه لي الأستاذ عبدالمحسن العلي بأنه رجل متواضع جدًا وعلى خلق راق وسهل التعامل، لا يحب التكلف في كل شيء، ولا يرغب في أن يثقل على أحد من الناس، حتى في كلامه فهو متأدب غاية الأدب والسلاسة، ولا يحب كثرة الكلام، بل إذا سُئل أجاب بما يعرف من علم، وهو كذلك فقيه وطالب علم- انتهى كلام العلي-، وكنت كتبت مقالًا قبل 15 عامًا في صفحة التراث، ولكني لم أتوسع فيه كثيرًا، ولعلي في هذه صفحة "سطور المشاهير" أكشف شيئًا عن حياته العلمية، فهو أحد أعلام وشخصيات الوطن. ميلاده ونشأته وُلد الشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف بن عبدالله آل الشيخ سنة 1332ه كما يذكر هو في ترجمته التي كتبها في كتابه (علماء الدعوة) وكتابه الشهير (مشاهير علماء نجد وغيرهم)، ونشأ في جو علمي، فجدّه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، الذي هو شيخ المشايخ في وقته، ثم دخل مدرسة آل مفيريج، التي تعد من المدارس القديمة في الرياض، وخرَّجت كثيرًا من قراء القرآن الكريم من الأسرة المالكة والعلماء والقضاة وعموم الناس، وقد سمعت من الباحث والمؤرخ فهد بن مفيريج، أن مدرسة أجداده آل مفيريج أقرأت القرآن من أسرة آل الشيخ ما يقارب سبعين شخصًا، وكان الشيخ عبدالرحمن آل الشيخ من هؤلاء، وكان الذي أقرأه القرآن هو الشيخ المقرئ عبدالله بن مفيريج، الذي كتبت عنه وعن أخيه المقرئ الشيخ عبدالرحمن بن ناصر بن مفيريج قبل عدة أشهر مضت. غزير المعرفة والشيخ عبدالرحمن آل الشيخ - رحمه الله - الملقب ب»البحر»، تلقى العلم في مدينة الرياض أولًا على الشيخ محمد بن عبدالعزيز آل عياف آل مقرن مبادئ العلوم الشرعية، وكان يحضر حلقات الشيخ محمد بن إبراهيم، لكن لم يقرأ عليه، وقرأ أيضًا على عمه الشيخ محمد بن عبداللطيف في التوحيد، وبعدها انتقل مع والده الشيخ عبداللطيف بن عبدالله آل الشيخ إلى مكة عام 1353ه، وعندما فتحت دار التوحيد دخل فيها، وكانت هذه الدار فيها نخبة من العلماء، سواء كانوا من الداخل أو من خارج المملكة، ولحبه للعلم وشغفه به رغب في التحصيل العلمي خارج أسوار دار التوحيد، فكان الذين قرأ عليهم وتعلم منهم كالتالي كما يذكر هو بنفسه في سيرته التي حبرها بيده في كتابه (مشاهير علماء نجد)، ونقلها مترجمة الذين كتبوا عنه: الشيخ العالم السوري الموسوعي بهجت البيطار - مدير دار التوحيد - درس عليه في تفسير ابن كثير، ودرس على الشيخ الفرضي عبدالله بن صالح الخليفي، وكان الشيخ أستاذًا مثل البيطار في دار التوحيد، درس عليه في الفرائض والفقه، والشيخ عبدالعزيز الرشيد درس عليه بالمسجد الحرام في الفقه. وحدثني الأستاذ عبدالرحمن الرويشد - رحمه الله - قائلًا: إن الشيخ عبدالرحمن آل الشيخ كان غزير المعرفة باللغة والأدب والشعر، وكان يستدرك على بعض الأساتذة في دار التوحيد ويصحح لهم، وكان حافظة للشواهد الشعرية في النحو-انتهى كلام الرويشد-، وكم مرة سمعت الرويشد يثني عليه بالتوسع في العلم، وخصوصًا في التاريخ القديم والحديث، وكذلك سمعت شيخنًا العالم حمد بن إبراهيم الحقيل -رحمه الله- يمدحه بالحفظ والفهم ويثني عليه بالخير. قدرة علمية ولما أنشئت دارة الملك عبدالعزيز جعله فيها الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ -رحمه الله-، وكان له مكتب في إدارة البحوث والنشر، وكان الشيخ حسن آل الشيخ ممن يثق بعلمه وغزارة معرفته بالتاريخ المحلي، لذلك فقدّر مكانته العلمية، وكانت على يديه وإشرافه نشرت الدارة كتبًا من تحقيقه ومؤلفاته، واستمر مع الشيخ عبدالرحمن مع الدارة حتى وفاته، أعطى الدارة كل ما في وسعه العلمي والإنتاجي ولم يبخل عليها بما لديه من ذخائر علمية. وقال الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ وزير التعليم العالي -رحمه الله- عن صديقه الشيخ عبدالرحمن آل الشيخ: «لقد زاملته أمدًا طويلًا بحكم علاقته بأخوتي وكثرة لقائه بهم في مكةالمكرمةوالطائف، وقد أتاحت لي تلك اللقاءات أن أتعرف عن كثب على مدى قدراته العلمية وتخصصه الذي يندر وجود مثيله في تاريخ الجزيرة العربية وقادتها الميامين وما مرّ بها من أحداث وانتصارات ومواقف، ولكل هذه الأسباب مجتمعة وبحكم اختصاصه رغبت إليه أن يتعاون مع دارة الملك عبدالعزيز لشدة احتياجها للتعاون مع أمثاله، وقد استجاب لما طلبت وقدم ما لا يحصى من الجهود»، ويضيف الشيخ حسن آل الشيخ ذاكرًا هذه الجهود التي قدمها الشيخ المؤرخ الموسوعي عبدالرحمن آل الشيخ للدارة، حيث كان يقوم بدراسة وتحقيق كل ما يحال إليه مما يتعلق باختصاصه، منهيًا ذلك في فترات قياسية بكفاءة منقطعة النظير، وقبل ذلك كان من أخلص المتعاونين مع وزارة المعارف، وختم الشيخ حسن آل الشيخ مقالته عن الشيخ عبدالرحمن آل الشيخ قائلًا: وسيكون الفراغ الذي تركه واضحًا وملموسًا عند من يقدر مثل جهوده وعلمه، رحمه لله رحمة واسعة، وجعله في منازل الشهداء لديه، وأثابه على جهاده الصادق في الدفاع عن دين الله، وجمعنا به في دار كرامته. صفات ومآثر وقال الشيخ حمد الجاسر في الشيخ عبدالرحمن آل الشيخ -رحمه الله- في مقالة له بجريدة الرياض بعنوان «رحم الله هذا الشيخ إنه من بقية السلف الصالح»: لقد عرفته طيلة خمسين عامًا، فعرفت فيه خصالًا حميدةً قل أن تجتمع في إنسان، كان متواضعًا هادئًا كثير التسامح، لا يعنى بما يجري حوله من أحوال الناس إلا بقدر ما يعنى به من يحب الخير لإخوانه، فيقبل محاسنهم، ويتغاضى عن مساوئهم، ثم هو مع ذلك كله واسع الاطلاع فيما يتعلق بتاريخ هذه البلا، حريصًا على تسجيل ما يستطيع من تراجم علمائها، كنت قد عرفته يتردد على بيت شيخ العلماء في مكةالمكرمة الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ واجتماعه بأبناء الشيخ وغيرهم ممن يتردد على منزل الشيخ وما أكثرهم، ويتطرق الشيخ حمد الجاسر إلى أن الشيخ عبدالرحمن ذو غزارة في التاريخ الوطني، قائلًا «وكان إذا تحدث في موضوع من الموضوعات التي لها صلة بتاريخ هذه المملكة يفيض من أحاديثه ويسترسل ويتدفق لسانه بمختلف المعلومات. لماذا لُقِّب بالبحر؟ لم ينس الشيخ حمد الجاسر وهو صديق للشيخ عبدالرحمن آل الشيخ أن ينوه عن سبب تلقيب الشيخ عبدالرحمن بالبحر؛ فيقول: وما ذاك إلاّ لما يتصف به من سعة المعرفة حين يتناول الجالسون الحديث المتعلق بما يحسنه أو يتفرد به عن غيره، خاصةً ما له صلة بتاريخ الإمام أو أحد أبنائه أو أحفاده، لازمه هذا اللقب طيلة حياته وما كان يكرهه، ويضيف الشيخ حمد الجاسر شعوره وإحساسه حينما علم بوفاة الشيخ عبدالرحمن قائلًا: «لقد كانت صدمة شديدة حين تلقيت هذا النبأ، فالشيخ عبدالرحمن -رحمه الله- كان من إخواني وأصدقائي، وكان كثير الوفاء والحفاظ على هذه الصداقة، فقل أن يقدم مدينة الرياض ثم لا يزورني خلال إقامته، ثم إنه يتلقى مني بصدر رحب بعض الملاحظات التي أبديها له مما أخالف رأيه حولها في تعليقاته على بعض الكتب التي حققها ونشرتها وزارة المعارف، فكان يسجلها ويعدني بأنه عند إعادة طبع الكتاب سيأخذ برأيي، وصداقة امتدت طيلة خمسين عامًا ليس من السهل اليسير أن يتناساها المرء» -انتهى كلام الشيخ حمد– من كتاب المبتدأ والخبر لعلماء القرن الرابع عشر، الجزء الثالث للأستاذ إبراهيم السيف -رحمه الله-. إجادة تامة ويأتي صديق آخر للشيخ عبدالرحمن آل الشيخ -رحمه الله- ألا وهو الشيخ القاضي عبدالله البسام -رحمه الله- الذي أفرد لصديقه سيرة مفيدة في كتابه (علماء نجد خلال ثمانية قرون) -الجزء الثالث- يقول الشيخ البسام واصفًا تحصيل الشيخ عبدالرحمن آل الشيخ العلمي: «له مدخل جيد في التفسير والحديث والفقه، وعلامة في العقائد، فهو يجيدها إجادة تامة، ويعرف مقالات المخالفين لعقائد السلف من المعتزلة والجهمية وغيرهما، له معرفة جيدة في علوم العربية من بحور وبلاغة، يجيد العروض والقوافي إجادة تامة، وله معرفة بالتاريخ القديم والجديد، لا سيما تاريخ أهل نجد وأنسابها، فقد تلقاه عن أبيه النسابة، فهو يجيد ويعرف نجدًا وأخبارها وأنساب أسرها وتاريخ حكامها معرفة جيدة، ويحفظ كثيرًا من الشعر الجيد لا سيما قصائد المتنبي، فإنه يكاد يحفظفها، وبالجملة فهو موسوعة في العلوم الشرعية والعربية والتاريخية، فقلَّ أن يجتمع هذا في غيره، وذلك لمثابرته الدائمة على القراءة والاطلاع ولقوة الحافظة وسرعة الفهم والاستيعاب»، ويضيف الشيخ عبدالله البسام عن صديقه الشيخ عبدالرحمن قائلًا: «ولي معه صداقة خاصة وزمالة متميزة، فأنا من هواة التاريخ والنسب وتراجم الرجال، وهو موسوعة في ذلك، لهذا فإني استفدت منه فوائد جمة» -انتهى كلام الشيخ البسام-، وقد سمعت من شيخنا عبدالرحمن بن شعيل؛ حيث وصفه بأنه حافظ للقصائد، بل قال الشيخ عبدالرحمن لشيخنا عبدالرحمن بن شعيل: لا بد أن تؤلف كتابًا لأنه هو الذي يبقى لك ويخلد اسمك. بحث ومعرفة وألّف عبدالرحمن آل الشيخ - رحمه الله - عدة مؤلفات نشرت كلها في حياته وانتشرت بين الناس، ولكن الكتاب الذي اشتهر به وخلّد ذكره -فيما اعتقد- هو كتابه القيّم (مشاهير علماء نجد وغيرهم)، الذي طبع طبعتان في حياته والطبعة الثانية هي عام 1394ه، وهو كتاب يعتمد عليه الباحثون والمؤرخون، وهو من أفضل من كتب في علماء نجد من حيث الدقة في المعلومة والأمانة العلمية، حيث يستقي المعلومة وينسبها إلى مصدرها، هذا فضلًا عما يحويه من تعليقات مفيدة ولطيفة ومحررة، وقد استفدت من قراءته كثيرًا. وحقق كتاب عنوان (المجد) – لابن بشر بتكليف من وزارة المعارف وذيّله عقد الدر لابن عيسى-، ونشر الرحلة الملكية ليوسف ياسين وعلق عليها وحقق وعلق كتاب (لمع الشهاب) بتكليف من الشيخ حسن آل الشيخ، وقد كان نشر قبل هذه مؤلفات منها: (علماء الدعوة)، وكتاب (دعوة الشيخ ومناصروها) وغيرها، فالشيخ عبدالرحمن آل الشيخ كانت حياته للعلم والمعرفة والبحث والتحقيق والنشر، لم ينشغل إلا بهذا طيلة حياته التي امتدت (74) عامًا، وفاجأه الموت بحادث سيارة شنيع بين الطائفومكة بتاريخ 18/ 10/ 1406ه، حيث نعس قائد سيارته السائق فاصطدم بشاحنة، وكان أول من تلقى خبر وفاته صديقه الشيخ عبدالله البسام؛ حيث اتصل به مرور مكة الذين وجدوا بمفكرته رقم هاتف منزل الشيخ البسام -كما يذكر الشيخ البسام- وصلي عليه بالمسجد الحرام من الغد، رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى. الشيخ حسن آل الشيخ وزير التعليم العالي سابقاً وصديق الشيخ عبدالرحمن الشيخ حمد الجاسر رئيس تحرير مجلة العرب صديق الشيخ عبدالرحمن الشيخ عبدالله البسام زميل الشيخ عبدالرحمن بدار التوحيد عبدالمحسن العلي مدير مكتب رئيس تحرير مجلة العرب أشهر مؤلفات الشيخ عبدالرحمن آل الشيخ أحد كتب الشيخ عبدالرحمن في بداياته في التأليف