المكتب أو الكتاتيب هي المدرسة الأولى للأطفال في العالم الإسلامي، فيها يتعلمون أبجديات القراءة والكتابة والقرآن والقواعد الأربع للحساب، ما من شخص أيًا كانت منزلته في القديم إلاّ كانت له محطات طويلة في الكتاتيب أو المكتب - كما يطلق عليه في العصور الأولى في الإسلام -، وفي نجد كانت هذه الكتاتيب تؤدي رسالتها التعليمية، حيث بذل المعلمون كل جهدهم في التعليم، ومن هذه المدارس مدرسة ابن مفيريج في العاصمة الرياض، وصاحبها هو الشيخ والمقرئ المُعلم عبدالرحمن بن مفيريج، وساعده الأيمن أخوه الشيخ عبدالله بن مفيريج. من هو ابن مفيريج؟ هو عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالرحمن بن مفيريج، وُلد العام 1270ه في عهد الإمام فيصل بن تركي، وكان والده ناصر بن مفيريج من الذين رافقوا الإمام فيصل إلى مصر ومكث معه هناك إلى أن رجع، فكان ناصر - رحمه الله - من خاصة الإمام فيصل ومن شجعان أهالي الرياض، وليس ببعيد أنه شارك الإمام فيصل في غزواته، وكذلك شارك مع الإمام عبدالله بن فيصل حينما كان نائبًا عن أبيه في بعض الغزوات وبعدها حينما كان هو الإمام، فكان مصاحبًا للإمام عبدالله بن فيصل، وقد قتل في معركة أم العصافير سنة 1301ه. نشأ عبدالرحمن بن مفيريج في الرياض وعاصر الدولة السعودية الثانية والدولة السعودية الثالثة، وقد تعلم وأخوه عبدالله بالمسجد الحرام، وقرأ صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود وسند الإمام أحمد وبعض كتب ابن تيمية وابن القيم وكتب الفقه الحنبلي، وانضم إلى حلقات الشيخ عبدالرحمن بن حسن وابنه الشيخ عبداللطيف، وسمع منهما كتب التوحيد والعقيدة والفقه فكانت حصيلة لا بأس بها من العلم الشرعي. ثلاث حجرات ويعود تاريخ مدرسة ابن مفيريج؛ أي حينما بدأت نشاطها التعليمي بتاريخ 1297ه، وتقع هذه المدرسة شمال مسجد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف وهي ثلاث حجرات صغيرات، ومساعده ونائبه أخوه عبدالله بن مفيريج، وكانت الطريقة في التعليم هي الكتابة على الألواح سواء تكتب فيها الحروف أو الآيات التي يراد حفظها فيحفظها الطفل ويلقيها عن ظهر قلب على المُعلم، وهكذا كانت هذه المدارس في نجد في الغالب، وعلى هذه الطريقة مدرسة الشيخ عبدالرحمن بن مفيريج التي تُعد من أشهر الكتاتيب في الرياض القديمة، ومن الكتاتيب التي كانت تؤدي رسالتها التعليمية في ذاك الزمن مدرسة ابن مصيبيح، وهي مدرسة لا تقل شهرة عن مدرسة ابن مفيريج ومدرسة آل حيان وآل فهيد ومدرسة ابن خثران. كانت مدرسة الشيخ عبدالرحمن بن مفيريج عندما بدأت في مسجد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف مدة من الزمن ثم انتقلت بعد ذلك - كما قلت - إلى حجرات شمال المسجد بجانب سكن طلبة العلم. بذل النفس وأعطت مدرسة ابن مفيريج كثيرا لأهالي الرياض القديمة، وعلّمت وأدبت وربّت الأطفال في ذاك الزمن العتيد، أجيال تعقبها الأجيال، فكانت هذه المدرسة بمنزلة التمهيدي والابتدائي، حيث لا مدارس نظامية، فكان القائم على هذه المدرسة هو المدير والوكيل والمعلم، وهو الذي يقرر المنهج بنفسه، فهؤلاء المعلمون أمثال المقرئ الشيخ عبدالرحمن بن مفيريج، كانوا قد بذلوا أنفسهم ووقتهم وحياتهم وأعمارهم في سبيل تعليم هؤلاء الأطفال والشباب من دون مقابل ولوجه الله تعالى، وإن كان هناك مقابل فهو شيء يسير بالنسبة لجهودهم في تعليم الأطفال والصبر والمصابرة في ترسيخ الأخلاق الفاضلة في نفوس النشء، وأعظمها تلقين القرآن الكريم في قلوبهم، وقد ترك هذا المُعلم أو المقرئ سبل العيش التي قد يقتات منها من أجل التعليم، وليس كل هؤلاء المعلمين يملك نخيلًا أو مزرعة، وإنما عند موسم حصاد القمح يمنح من عدة أصع أو موسم ثمار النخيل، يعطى ويمنح من الرطب، ويروى أن الإمام أبي حنيفة لما علّم المقرئ ابنه الفاتحة وأتقنها أهدى له 500 درهم فطار فرحاً هذا المُعلم؛ لأنه أول مرة في حياته كلها يمنح هذا المبلغ الضخم، وقال له أبو حنيفة: «إنك علمته أعظم سورة في القرآن وتستحق هذا المال». مُعلم الأمراء وأفنى الشيخ المقرئ عبدالرحمن بن ناصر بن مفيريج -رحمه الله- عمره كله في الكتاب من عام 1297ه حتى وفاته 1353ه، لم يتوقف خلال هذه المدة الطويلة في تحفيظ وتدريس الأطفال والنشء القرآن الكريم، وكان من هؤلاء من الأسرة المالكة آل سعود، حيث درّس الشيخ ابن مفيريج عددًا منهم؛ وهم: سمو الأمير عبدالله بن جلوي بن تركي آل سعود، وسمو الأمير مساعد بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير تركي الأول بن عبدالعزيز آل سعود، والملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير منصور بن عبدالعزيز آل سعود -رحم الله الجميع-، هذا ما ذكره الأستاذ الباحث والراوية فهد بن مفيريج في نبذته عن جدّه الشيخ عبدالرحمن بن مفيريج. ويذكر أنه في عام 1335ه أمر الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بتأسيس مدرسة لتعليم القرآن والكتابة والقراءة جنوب قصر الحكم -وهي مدرسة للأمراء-، وأسند أمر إدارة هذه المدرسة إلى الشيخ عبدالرحمن بن مفيريج، ويكون لهذه المدرسة مُعلمون غير الشيخ عبدالرحمن بن مفيريج، فالشيخ عبدالرحمن هو المشرف على هذه المدرسة وأعضاء هذه المدرسة هم: الشيخ عبدالله بن مفيريج مساعداً لأخيه الشيخ عبدالرحمن، المقرئ عبدالله بن غانم، المقرئ الشيخ إبراهيم الجبيري، المقرئ الشيخ المشهور محمد السناري -رحمهم الله تعالى-. منزل مستقل وتحسن الوضع المادي للمُعلمين في هذه المدرسة، وتم تخصيص راتب شهري لكل مُعلم، وهو عشرة أصواع أرز، ونصف قلة تمر، وصاعان سكر، وصاعان من القهوة، ونصف صاع هيل، ونصف صاع شاهي، مع مبلغ مالي في الأعياد، أمّا وقت عمل هذه المدرسة فهو صباحي ومسائي، فوقت الصباح يبدأ التدريس حتى قبل آذان الظهر، ووقت المساء من بعد صلاة العصر إلى آذان المغرب، والمنهج المقرر لهذه المدرسة هو تعليم القرآن الكريم ومبادئ الفقه والتوحيد وأبجديات القراءة والكتابة والحساب وحفظ الأناشيد، طبعاً هذه المدرسة هي داخل قصر الحكم من الجهة الجنوبية، وفي عام 1345ه أمر الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بتخصيص منزل مستقل لمدرسة الأمراء القديمة، ويقع هذا المنزل بجوار مسجد الإمام عبدالرحمن بن فيصل المسمى مسجد الديوانية جنوب قصر المصمك، وكان الملك عبدالعزيز يتابع أحوال هذه المدرسة أولًا بأول؛ حيث يُرفع له تقرير عن مستوى كل طالب وقدراته ويجتمع مع أعضاء هيئة التدريس، وعندما يتم ختم أحد أبناء الأسرة المالكة القرآن الكريم يُخبر بذلك، حيث يتشرف الطالب أمام الملك عبدالعزيز بتلاوة آيات من القرآن الكريم. ملوك وأمراء ودرس في مدرسة الأمراء القديمة التي أشرف عليها الشيخ المُعلم عبدالرحمن بن مفيريج ودرَّس فيها ومعه أعضاء هيئة التدريس قد دَرَس فيها: الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، سمو الأمير سعود بن عبدالله بن جلوي -رحمه الله-، صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن عبدالعزيز، صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز -رحمه الله-، صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله-، صاحب السمو الملكي الأمير مساعد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز -رحمه الله-، صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالعزيز، صاحب السمو الملكي الأمير مشاري بن عبدالعزيز -رحمه الله-، صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز -رحمه الله-. هذا ما أورده الباحث الأستاذ فهد بن محمد بن مفيريج في نبذته عن جده الشيخ عبدالرحمن بن مفيريج. وقد واصلت مدرسة الأمراء وظيفتها التعليمية حتى تاريخ 1357ه، حيث انتقال الملك عبدالعزيز إلى القصور في المربع، وشُكِّلت مدرسة أخرى للأمراء برئاسة الشيخ الورع الزاهد المقرئ عبدالله بن عبدالغني بن خياط ومعه أعضاء هيئة التدريس، وهم سبعة أشخاص. علم نافع وقد درّس الشيخ عبدالرحمن بن مفيريج كبار العلماء في مدرسته في حي دخنة، شاهدهم يتصدرون التدريس في المساجد وينشرون العلم ويفتون الناس، وكان على رأسهم المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم الذي درس على الشيخ عبدالرحمن بن مفيريج القرآن الكريم، وكذلك الشيخ عبدالعزيز بن باز درس عليه القرآن الكريم، وتلميذ الشيخ هو من العلم النافع، الذي يستمر أجره وحسناته بعد وفاة الشخص، فالشيخ عبدالرحمن بن مفيريج قد درس كثيرا من طلبة العلم، فالله سبحانه ذو فضل عظيم وامتنان على عباده، ونسأل الله أن يضاعف أجور الشيخ عبدالرحمن بن مفيريج وأخاه الشيخ عبدالله. وقد توفى الشيخ عبدالرحمن بن مفيريج عام 1353ه بعدما أمضى أعواما عديدة في تدريس القرآن الكريم كلها في الرياض القديمة، فكان -رحمه الله- من حملة القرآن الكريم ويصدق عليه وعلى غيره من المخلصين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». وبعد وفاة الشيخ عبدالرحمن واصل أخوه الشيخ عبدالله تدريس القرآن في مدرستهما في حي دخنة، وبعد وفاة الشيخ عبدالله بن مفيريج خلفه ناصر بن عبدالرحمن بن مفيريج وحتى جيل الأحفاد استمرت هذه المدرسة، فالمقرئ الحفيد عبدالمحسن بن مفيريج درس في مدرسة جدّه حتى عام 1380ه، وفي هذا التاريخ أغلقت مدرسة ابن مفيريج أبوابها بعد أعوام عديدة من التعليم والعطاء، وحقاً فالشيخ عبدالرحمن بن مفيريج مُعلم الأمراء وأستاذ العلماء. الشكر والتقدير للباحث فهد بن محمد بن مفيريج، الذي زودني بهذه المعلومات عن جدّه، وهو مرجع في تاريخ مدينة الرياض القديمة ويُستفاد منه. ناصر بن عبدالرحمن بن مفيريج تولى التدريس بعد وفاة والده ابن مفيريج اجتهد في تعليم أبناء المجتمع قديماً الأخلاق الفاضلة بدأت مدرسة عبدالرحمن بن مفيريج في مسجد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف شارع سُمي على الشيخ عبدالرحمن بن مفيريج مدرسة ابن مفيريج تُعد من أشهر الكتاتيب في الرياض القديمة