نظمت دارة الملك عبدالعزيز ضمن برنامجها أعلام المملكة العربية السعودية، أمس الأول ، الندوة الخامسة ندوة " المؤرخ أبن عيسى " ، ضمن ندواتها المخصصة للتعريف بإنجازات رواد وأعلام في مختلف المجالات من المواطنين من الجنسين منذ ظهورا لدولة السعودية الأولى عام 1157ه/1744م ، تكريما ووفاءَ وتوثيقا من الدولة لهؤلاء المخلصين الأفذاذ ، وتقديم انجازاتهم إلى الجيل الحالي والمقبل بصفتهم قدوة في الوطنية الحقة وأمثلة باسقة للعطاء والتفرد لخدمة الوطن والإسهام في البناء الحضاري للمجتمع، وإضافة إلى ذلك يعد البرنامج سبراً للعلاقة الوثيقة بين المجتمع السعودي وولاة الأمر التي من صورها التفاني في بناء المملكة العربية السعودية وإعمارها مبنى ومعنى . وحط البرنامج رحاله وأقلامه في مدينة أشيقر بمحافظة شقراء لتكريم علمٍ من أعلام العلم والمعرفة والتاريخ على مستوى الوطن هو المؤرخ والنسابة الشيخ إبراهيم بن صالح بن إبراهيم بن محمد بن عيسى، الذي ولد في عصر اتسم بعدم الاستقرار وكثرة الحروب ، حيث كانت ولادته عام 1270 ه في أشيقر بعد أن انتقل إليها جدّه محمد من شقراء، حيث انصب اهتمامه على عشيرته، وكان شديد الحرص على صلة أرحامه من أبناء عمومته في شقراء وباقي أسرته فكان دائماً ما يراسلهم ليسألهم عن أحوالهم وبالمقابل كانوا يزودونه بأخبارهم وأحداثهم وما استجد عليهم ومن ذلك رسالة جوابية وصلت إليه من الشيخ محمد بن علي البيز العيسى في شقراء ذكر له فيها وفيات آل عيسى من الذكور والإناث بسبب وباء الجدري عام 1337ه ، كما كان للمؤرخ العلامة مراسلات مع الإمام عبدالرحمن الفيصل تعكس ولاء وفاء المؤرخ للدولة السعودية وللإمام ابن فيصل ولأسرة آل سعود ، ومراسلات مع الملك عبدالعزيز الذي كلفه بكتابة تاريخ الدولة السعودية أثناء مروره بالمنطقة طيب الله ثراه ابتداء من ما انتهى إليه قلم المؤرخ عثمان بن بشر، فدون وأجاد بالرغم من انعدام الاتصال وبطء المراسلة وعدم انتشار وسائل الإعلام آنذاك إلا في المدن الكبرى في المملكة . وكتب الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جاسر عن شيخه ابن عيسى قائلا " كان في بداية طلبه العلم يتجول في البلدان، وإذا ما وجد ما يعجبه من الفوائد نقله بخط يده، وكان لا ينفك في غالب أوقاته من المطالعة ، حتى إذا خرج من بيته أخذ معه بعض المجاميع التي هي بخط يده " . وأوضح الدكتور هشام بن محمد السعيد في الندوة أن من شيوخه الذين أخذ عنهم " قاضي شقراء الشيخ عبدالله بن علي بن عيسى ، وقاضي المجمعة الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى ، وقاضي الزبير الشيخ صالح بن حمد المبيّض، وأمير بهوبال الهند الشيخ صديق حسن خان القنّوجي " وغيرهم ، وبالرغم من تتلمذه على أيد قضاة وقربه منهم إلا أن الشيخ ابن عيسى رفض منصب قاضي عنيزة مرتين عامي 1308 ه و 1318ه وذلك تورعاً و" إيثارا للسلامة " وولعا بطلب العلم وبتعقب الحدث والمعلومة وتسجيلهما، وتدوين التصحيحات والفوائد والتعليقات على الكتب، ونسخ المخطوطات بخطه الجميل، فقد كان لديه مكتبة من أهم المكتبات النجدية مكونة من مخطوطات نفيسة ونوادر شاردة بخطوط مصنفيها، كما أنه كان يشتري بعض المكتبات الخاصة غير الموقوفة وكان يطلع عليها من خلال اشتغاله بفهرسة المكتبات الخاصة . وأضاف " أثرى المؤرخ الشيخ إبراهيم ابن عيسى المكتبة بعدد من المصنفات والمنسوخات التي بدأ في العمل فيها وهو لم يتجاوز العشرين عاما من عمره،بالرغم من اشتغاله في، فقد بعضها يه ومنها ما هو ماثل للعيان متاح حصرها عبدالله بن بسام البسيمي أثناء مشاركته في الندوة ، من أبرزها: كتاب تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد، وكتاب عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في آخر القرن الثالث عشر وأول الرابع عشر ، وكتاب تاريخ نجد وهو امتداد لمصنفه عقد الدرر، ورسالة عن علماء بلدة أشيقر، ونبذة عن بلاد العرب، ونبذة عن أشراف مكةالمكرمة، وجزء متوسط في أنساب العرب القحطانيين والعدنانيين، وغيرها كما ان له مجاميع كثيرة قيد فيها ما يراه وما يسمعه تناولت موضوعات في التاريخ والجغرافيا والأنساب والفلك والطب والتراجم ما يؤكد " موسوعية " ابن عيسى " . وانتقل الشيخ المؤرخ إبراهيم بن صالح بن عيسى وأسرته ومكتبته إلى عنيزة عام 1342ه، حيث كان يستأنس بعلاقات أخوية وعلمية بعلمائها ويعقد الحلقات التعليمية لطلابه هناك، كما كان يحتفظ بعلاقة حميمية مع أميرها عبدالعزيز بن عبدالله السليم تثبتها رسائل متبادلة، وكان انتقاله إليها امرا محزنا لأهل أشيقر وطلابه فكانوا يضمنون رسائل له بدعاء أو طلب أو رجاء بأن " يرد إلى بلده " إلا أنه توفي في العام التالي دون أن يزور مسقط رأسه . ولم تعد الموسوعية التي ألفها المؤرخ ابن عيسى وليدة الصدفة فلولا اجتهاده المبكر في التعلم ثم استثمار مهارات الذكاء والحفظ لديه، ثم همته العالية بارتحاله في داخل المملكة وخارجها بما فيها من تعب وشقاء وكمد لما نال هذه الدرجة العالية من العلوم المختلفة، واطلع على أحوال الأمم وثقافاتهم وأعمالهم . ويعتزم برنامج أعلام المملكة العربية السعودية كتابا خاصا عن الندوة ليضاف إلى كتابين طبعتهما الدارة لابن عيسى هما "عقد الدرر" و "بعض الحوادث الوقعة في نجد "، فهذا البرنامج التكريمي التوثيقي يتضمن أهدافا وطنية وتوثيقية ، كما أن الندوة فرضة مواتية لتحديث مستمر للعلاقة مع فئات المجتمع وتعريف بدور الدارة في ترميم الوثائق والمخطوطات والأوراق القديمة والكشف عن سلامتها من التدليس، واقتنائها، أو نسخها ، واقتناء المكتبات المهمة ، وتقديم المصادر الموثوقة لحركة البحث العلمية .