أدخلت المظاهرات ضد الزمرة الحاكمة في لبنان البلاد في اضطرابات سياسية تزامنا مع أزمة اقتصادية حادة وأثارها الغضب المتصاعد من ساسة طائفيين يهيمنون على الحكومة منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و 1990. والاضطرابات الحالية، التي تمثل إحدى أسوأ فترات القلاقل منذ انتهاء الحرب، تختلف عن فصول التوتر السابقة بسبب الضغوط المالية التي أفضت إلى ندرة الدولار الأميركي وإضعاف الليرة اللبنانية. وتواصلت الاحتجاجات الشعبية الاثنين لليوم ال 33 على التوالي للمطالبة بتشكيل حكومة إنقاذ ومعالجة الأوضاع الاقتصادية. وكانت ساحات الاحتجاج في وسط بيروت وفي طرابلس شمال لبنان وصيدا جنوبلبنان وبعلبك شرق لبنان، شهدت احتشاد المتظاهرين، وأقفل المحتجون عدداً من الطرقات في البقاع شرق لبنان وفي الشمال وفي العاصمة بيروت. وعمد الجيش إلى فتح الطرقات في بيروت، كما فتح معظم الطرقات في الشمال والبقاع. إلا أن المحتجين قطعوا صباح الإثنين طريق عام حلبا بالعوائق الحديدية والإطارات، كما أقفلوا الطريق الدولي المنية-العبدة، شمال لبنان. وفتحت المدارس والجامعات أبوابها أمس في معظم المناطق اللبنانية، كما فتحت المحال التجارية والمؤسسات العامة والخاصة، فيما بقيت المصارف مقفلة التزاما بالإضراب الذي أعلن عنه المجلس التنفيذي لاتحاد نقابات موظفي المصارف في لبنان، للمطالبة بتأمين حماية المستخدمين والعملاء. وأعلنت مديرية الإعلام والعلاقات العامة في جمعية المصارف، في بيان، مجموعة من الإجراءات «انطلاقا من الحرص الشديد على مصالح العملاء والمصلحة العامة». وتتضمن الإجراءات «تحديد المبالغ النقدية الممكن سحبها، بمعدل ألف دولار أميركي كحد أقصى أسبوعياً، لأصحاب الحسابات الجارية بالدولار». ودعت العملاء إلى استعمال بطاقات الائتمان لتأمين احتياجاتهم، كما شددت على أن التحويلات إلى الخارج تكون فقط لتغطية النفقات الشخصية الملحة. وأعلن المجلس التنفيذي لاتحاد نقابات موظفي المصارف في لبنان، في بيان، أن التدابير التي أعلنت عنها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لتأمين سلامة المستخدمين والعملاء في القطاع المصرفي، كافية ووافية، إلا أنها أكدت على أن العودة عن الإضراب تستلزم أولا وجود جو من الأمان في مراكز العمل، وبالأخص في فروع المصارف. وذكر أن الإضراب سيستمر. ويطالب المحتجون بتشكيل حكومة تكنوقراط وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وخفض سن الاقتراع إلى 18 عاماً ومعالجة الأوضاع الاقتصادية واسترداد الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين. ويؤكدون على استمرار تحركهم حتى تحقيق المطالب. وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري أعلن استقالة حكومته في 29 أكتوبر الماضي تجاوباً مع إرادة الكثير من اللبنانيين الذين نزلوا إلى الساحات ليطالبوا بالتغيير، والتزاماً بضرورة تأمين شبكة أمان تحمي البلد في هذه اللحظة التاريخية، وذلك بعد 13 يوماً من الاحتجاجات الشعبية. ولم يدع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حتى الآن إلى بدء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس للحكومة. ويجري الرئيس عون الاتصالات الضرورية قبل الاستشارات النيابية الملزمة لتسهيل تأليف الحكومة.