مدخل للشاعر طلال السعيد: فارقت من لا كان ودّي أفارقه عقب الصلاة وتوّها الشمس شارقه الفجر يوم الناس تسعى لرزقها أنا عيوني بازرق الدمع غارقه بكى وأنا أبكي يوم وقّفت أودّعه والكل منّا يذرف دموع حارقه عندما نقرأ الكثير من قصائد الشعراء والشاعرات نجد فيها من الدموع والحسرات الشيء الكثير، وفيها نوع من الدمع الذي يجبرك على أن تسيّل دمعًا سخيًّا لما فيها من كمية الحزن التي تصل لأعلى الدرجات خاصة عندما تُكب بفيض من الأسى والحزن، وربما كانت أساب ذلك شدّة ألم الفقد، أو الحنين والشوق للأحباب والأصحاب، أو منهم يستحقون الذكر نظير أعمالهم الرائدة وأفعالهم الخالدة التي تجعل من عرفهم أو صاحبهم يشعر بضيقة الخاطر وألم الفراق والبكاء عليهم والتوجد وفي هذا الاتجاه يقول الشاعر مبارك الحجيلان: لا شفت لك دمعة رجل شوف الأسباب لا تقول عيب.. ولا تشمّت بحاله ودّه يخبيها وخانتْه الأهداب وتفجّرت من يوم شيٍ طراله ما طاح دمعٍ كنه الوبل سكّاب إلا من اللي داخل الصدر شاله رجال تبكي دم من فقد الأحباب ورجال تبكيها حياة الرزاله وكثيراً ما نلاحظ العديد من مُحبّي ومتذوقي الشِّعر الاستشهاد بدموع الشعراء والشاعرات في كتاباتهم ومذكراتهم وأحاديثهم عبر مواقع التواصل، أو كتابة مقالٍ أو مجالستهم أو غير ذلك، فنجد مَن مِنهم شغوف بدموع الشعراء والشاعرات ويفضلونها باستمرار، أو على غيرها من ظاهرات الألم.. ويدل على هذا قول الشاعرة والأدبية هنادي المنصوري: «عادة ما يستهل شعراء النبط بالمطالع الحزينة المقرونة بالدموع؛ ولا ننسى مطلع قصيدة الشاعرة نورة الحوشان -رحمها الله- حين قالت: يا عين هلّي صافي الدمع هلّيه وليا انتهى صافيه هاتي سريبه وهذه عادة الشعراء والشاعرات في نسج قصائدهم العاطفية بالدمع ووصفه بدقة متناهية؛ وأعتقد أن كل شاعر وشاعرة لهما بصمة معينة لوصف الدمع! فعادة ما يخفيه أصحاب المواقف القوية ذات الثقة! من باب عزّة النفس وإخفاء الحزن الذي يبدي خضوع النفس والاحتياج العاطفي. وعلى الصعيد الشخصي تطرقت سابقاً في بداياتي الشِّعرية إلى وصف الدمع بجلاء؛ ولكن حالياً لا أحبذ ذكره إلا في أغراض الرثاء والمديح لمن رحلوا» انتهى. وهناك من الشعراء من يحملون من الدمعة رمزا للألم فتفيض قلوبهم ومشاعرهم وأحاسيسهم بأجمل الكلمات وأبلغ العبارات، وأصدق الآهات، فينشدون أحلى القوافي التي تعبر عن أحزانهم وآلامهم ومن هؤلاء الشاعر محمد بن دايل القرني الذي أنشد أبياتا على نوع من المجالسي حيث بدأ بالبدع: لا تشرهين العيون أليا بكت يا مناحب أنا من الحزن ضاق الصدر وأجهشت بآهات ولا ترى ما يفيد اللي بكى وقع دمعاه ما ينفعه حزنه وشكواه ومناحباته ولاشك أن عبرات الإنسان مؤلمة في جميع المواقف، خاصة الشعراء والشاعرات نجدهم أكثر الناس في وصف الدمعة عندما تسقط لأجل عزيز رحل، أو حبيب فقد، أو أماني لم تتحقق، أو رجا أمل، أو حسرات تختلج بين الضلوع كما تبيّن هذه الأبيات التي تفسّر مفرداتها حجم المُعاناة، ويكللها الحزن والدموع مدادها للشاعرة المبدعة لولوة السنيدي «لين القسا»: البارحة ضج الحنين ودعاني يم السنين الماضيه طاري أحباب قمت آتوارى عن جليسي وأعاني فيضٍ من العبرات حرّق لي أهداب رمت الصبر عنه ولكن قواني شوقي لقربه في وسط لمّة أصحاب عفت المكان وقمت أعاتب زماني واتجرع الحسرات.. وأدوّر أسباب يالوعةٍ تملأ رهيف المحاني ياحسرةٍ غطت على الجرح ماطاب وبالرغم من دموع الشعراء الممزوجة بالحزن والجراح من فواجع الأقدار قلما نجد في شِعرهم ما يحث على التفاؤل، أو يبعد الأوهام.. فقد تغلغل في قلوبهم اليأس والانكسار، وحرقة الشعور، وخيبة الأمل كقول الشاعر سعد علوش: الدموع اللي أحبسها طول السنين كلها في ضحى ذا العيد نزلتها والله إني جريح.. والله إني حزين وليت حزني طبيعة كان بدّلتها مير حزني من الصدّه وطول الحنين وخيبة آمالي اللي فيك أمّلتها كما أن أكثر الشعراء مِن مَن قاسوا آلام الحياة، وأشد أنواع المُعاناة لما واجهوا في حياتهم من صلف المعيشة، وعدم التوفيق في معظم أمورهم.. ولكنهم لم يبكوا، ولم يذرفوا الدموع، بل كانوا يصفون حالهم وما يعيشونه من قسوة الحياة والمُعاناة في معظم أشعارهم. ومن مزايا الشاعر الحقيقي رقّة مشاعره.. فالوجع يؤلمه، والألم يحزنه، والفقد يبكيه، حتى يصل درجة بليغة من الأسى والحزن، فيعبر عن حاله البائس الموجوع، وكل ما أصابه من ألم أو ضيم في الحياة.. لذا ما زالت دموع الشعراء والشاعرات من خلال قصائدهم الملتهبة تشع في الذاكرة مهما طال الزمن. سعد علوش محمد بن دايل مبارك الحجيلان بكر هذال