استحق الرئيس الأمريكى والقوات الأمريكية الخاصة التهنئة على العملية الناجحة التي انتهت بالقضاء على أبوبكر البغدادي زعيم داعش، بعد الإعلان عن مقتله أكثر من مرة من قبل. فالجرائم التى ارتكبتها جماعته شهدتها قارات عديدة، ابتداء من الهجوم الذى تعرضت له باريس فى نوفمبر قبل أربعة أعوام إلى قتل واستعباد الأيزيديين فى العراق. ولا شك أن خبر مقتله أثلج صدور الكثيرين ممن تعرضوا لأذى مباشر أو فقدوا أحباء لهم على يد جماعته في أنحاء العالم. ويشير دانيال ديبتريس محلل شؤون الشرق الأوسط والسياسة الخارجية الأمريكى إلى أن تنظيم داعش كان بالفعل في حالة سيئة حتى قبل أن تقضى واشنطن على خليفته، وأنه من المؤكد أن القضاء على البغدادي يعد ضربة أشد قوة لجماعة تحاول جاهدة بالفعل إنقاذ نفسها. وقال ديبتريس فى مقال نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية إن القضاء على البغدادي لم يكن أمرا سهلا؛ لكثرة مراوغته رغم مقتل الآلاف من رجاله، وأنه رغم ذلك ليس من الغريب مطلقا معرفة أن زعيم الإرهابيين نفسه كان يخطط لموته قبل قتله؛ فهذه هي طبيعة الأمور، وهى أنه طالما كان المرء على رأس أى جماعة مثل جماعته، فلا بد أن يُقتل إن عاجلا أو آجلا فى هجوم جوي أو على الأرض. ومثال على ذلك الكثير من قيادات القاعدة الذين تم القضاء عليهم فى السنوات العشر الماضية. كما أن قيادة داعش كانت تستعد للوقت الذي يتم فيه القضاء على ما سمى بخلافتهم، وقد تمثل رد فعل مقاتليهم فى التحول إلى تمرد تقليدي. ويقدر البنتاغون أن هناك ما يتراوح بين 14 ألف و18 ألف من مسلحي داعش ما زالوا يمارسون نشاطهم فى العراق و سورية، وهي أعداد غير متوفرة لتنظيم القاعدة. ومع ذلك، فإن مقتل البغدادي لا يعنى مطلقا النهاية الوشيكة لداعش كتنظيم. فقد شهدت الولاياتالمتحدة هذه اللحظة من قبل، ولنتذكر أبو مصعب الزرقاوي في عام 2006، وأبو ايوب المصري فى عام 2010، وأسامة بن لادن فى عام 2011. فقتل القائد الأعلى للجماعة لا يقتل الجماعة. وحقيقي أنه من المحتمل أن يتم بذل جهود للاتفاق على بديل للبغدادي، ومن الممكن أن يستغرق ذلك أياما، أو اسابيع، أو شهورا، لكن فى نهاية الأمر سوف تعلن داعش عن بديل للبغدادي. من ناحية أخرى، نقلت مجلة فورين بوليسي عن مسؤولين وخبراء على موقعها على الانترنت قولهم إن داعش ما زال يمثل تهديدا فى سورية، لا سيما منذ هروب المئات من مقاتليه وأفراد عائلاتهم من أماكن احتجازهم أثناء توغل القوات التركية فى شمال شرق البلاد. وقالت دانا ستراول، وهي مسؤولة سابقة فى البنتاغون، وهى الآن من كبار الزملاء فى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: «إنه من الغريب أن عملية التخلص من البغدادي نجحت رغم كل محاولات إدارة ترمب لجعلها أمرا أكثر صعوبة». وأضافت «وكما أن مقتل بن لادن لم يؤد إلى القضاء على القاعدة، أتوقع أن التخلص من البغدادي لن يكون نهاية داعش». وقال مسؤول كبير فى الإدارة الأمريكية لفورين بوليسي إنه تم تنفيذ الهجوم بعد عملية جمع معلومات معقدة قامت بها وكالة المخابرات المركزية بمساعدة القوات الكردية السورية، وغيرها من شركاء الولاياتالمتحدة فى المنطقة، من بينهم حكومة إقليم كردستان العراق. وذكر مسؤولون أكراد وأمريكيون أن قوات سورية الديمقراطية قضت خمسة شهور فى تعاون مع الحكومة الأمريكية؛ لجمع معلومات عن أماكن تواجد البغدادي. وقال الجنرال مظلوم عبدي قائد عام قوات سورية الديمقراطية لمجلة فورين بوليسي، إنه الأجنبي الوحيد الذي كان على علم بالهدف. وقال عبدي إن النشاط العسكري التركي على الحدود، وما أعقبه من دخول إلى شمال شرق سورية، أدى إلى تأخير العملية شهرا كاملا. وقال مسؤول أمريكى كبير انتقد سحب ترمب المفاجىء للقوات من سورية، باستثناء مئات قليلة إنه كان «من الصعب للغاية» القيام بالعملية التى قضت على البغدادي بدون تواجد على الأرض. وأضاف المسؤول «إن المعركة ضد داعش لم تنته...ونحن أقل أمانا بسبب سحب قواتنا من سورية».