لم تعد جائزة نوبل في الاقتصاد لهذا العام 2019 كما كانت منذ بداياتها في القرن الماضي إلى قبل هذه السنة (من العام 1969 إلى العام 2018) يقتصر منحها لعلماء الاقتصاد المشهورين الذين لهم دور بارز في تطوير (والإضافة إلى) النظرية الاقتصادية، بل أخذت الجائزة منحىً جديداً - هذه السنة - فتم منحها بالشراكة إلى ثلاثة اقتصاديين (ليس لهم دور بارز في النظرية الاقتصادية). لكنهم كرسوا عملهم - على مدى 20 سنة - للعمل الميداني بمتابعة ورصد وتسجيل مصير المعونات المقدمة للشعوب مباشرة في الدول الفقيرة. لقد تم منح الجائزة لهذه السنة إلى اقتصادي (من أصول هندية) وزوجته (من أصول فرنسية) يعملان في جامعة أميركية (MIT). واقتصادي أمريكي من جامعة هارفرد، لا يفصل بين مقر الجامعتين غير خمس دقائق على القدمين في كامبردج ضاحية من ضواحي بوسطن (المدينة الإرستقراطية). لقد بدأت المبادرة من جامعة هارفرد في منتصف التسعينات عندما قام الاقتصادي مايكل كريمر من جامعة هارفرد بتجربة عملية (experiment) في كينيا عن جدوى ناموسيات البعوض التي كان يتم تقديمها لبعض العوائل الفقيرة في كينيا لتقيهم من البعوض. ثم انتقلت الفكرة من هارفرد إلى (MIT) ليقوم الدكتور بانيرجي وزوجته الدكتورة دوفلو بتجاربهم الميدانية في الهند، لقد تبين لهم - بتتبع الإقبال على تلقيح الأطفال - أن الإقبال على تطعيم الأطفال ارتفع من 5 % إلى حوالي 40 % عندما يتم تقديم - مع اللقاح - حافز صغير (نصف كيلو عدس) للوالدين عند تلقي أطفالهم للقاح. في السابق كانت جائزة نوبل في الاقتصاد يتم منحها للاقتصاديين البارزين الذين لهم دور بارز في تطوير النظرية الاقتصادية (ماكرو أو مايكرو)، بالنسبة للماكرو كان التركيز على قضايا الاقتصاد الكلي كالناتج المحلي ومعدل نموه الحقيقي، والتضخم، والبطالة، وما السياسات المطلوبة من الحكومة لحل مشكلات الاقتصاد الكلي، سواء عن طريق السياسة المالية (عن طريق الميزانية)، أو السياسات النقدية (عن طريق البنوك المركزية) وأيهما الأكثر نجاحاً. أما في المايكرو فقد تم منحها لبعض الاقتصاديين البارزين الذين أدخلوا بعض التطبيقات الجديدة، كنظرية اللعبة (game theory) أونماذج الأكونومتركس لقياس العلاقة بين النتيجة والسبب. المبررات التي قدمتها لجنة الجائزة لمنحها الجائزة إلى الحاصلين عليها للعام الحالي 2019 أنهم أتاحوا الفرصة لمعرفة مصير المعونات المقدمة للفقراء، وما أفضل الوسائل التي ينبغي تبنيها للحصول على المعلومات الصحيحة والموثوقة التي ترفع كفاءة المعونات. جائزة نوبل للاقتصاد لهذه السنة الممنوحة لثلاثة اقتصاديين من الجامعتين التوءمتين هارفرد و(MIT)، تُشبه جائزة نوبل للسلام الممنوحة للأم تريزا للعام 1979، أكثر من مساواتها بجائزة نوبل في الاقتصاد الممنوحة للبروفسور سامويلسون العام 1970، أو البروفسور سولو العام 1987 من نفس الجامعتين التوءمتين هارفرد و(MIT).