العفو والتسامح أمر محمود ومطلوب وشيمة من شيم الكبار في هذه الحياة، والعفو عند المقدرة لا يفعله إلا الكبار وأصحاب الهمم، فقد ضرب خويتم الحارثي أروع الأمثلة في التضحية والإيثار بالتنازل عن قاتل ابنه. وهذا الرجل الشهم يقدم دروسًا مجانية في التحمل والصبر والتنازل عن حق مشروع. وهذا الفعل العظيم يوجه إنذارًا شديدًا لسماسرة الرقاب الذين يبيعون ويشترون في الرقاب، ويسعون إلى تضخيم المبالغ في الديات، ودفع المبالغ الباهظة، وخلق التذم،ر وتكليف الناس بما لا يطيقونه، ما أوصل تلك المبالغ إلى عشرات الملايين، ونحن نعرف أن هذه المبالغ الباهظة أصبحت قضية وطنية تستدعي الدراسة والبحث والتقصي لإيجاد الحلول المناسبة، ولقد رأينا المبادرة التي ناقشها مجلس الشورى، وحدد فيها مبالغ الديات، كما أنني أعرف أن الشيخ عبدالله بن دليم وكيل شيخ قبائل قحطان يعمل على دراسة خطة وطريقة علمية لحل هذه المشكلات مع كثير من شيوخ القبائل للوصول إلى اتفاقية بين القبائل في تحديد الديات، ونامل أن تتم هذه المبادرات الجيدة لتجنيب المجتمع هذا الجشع المادي المقلق والمخيف. العبرة الأخرى موجهة إلى المسؤولين في التعليم، وهنا تبادرنا أسئلة كثيرة: هل تترك القضية ويغلق ملفها بتنازل الأب وينتهي الوضع؟ وهل الوضع يحتاج إلى تدخل الدولة؟ إن عدم وجود عقاب تربوي للمتسبب يسهم في تبسيط حجم الحادث في نفوس الطلاب وعقولهم، ما يدفع إلى مزيد من التنمر والاستخفاف بأرواح الآخرين طالما أن العقاب لم يحصل. هل وزارة التعليم أخذت العبرة من هذه الحادثة الأليمة، وتعلم أنها المسؤولة الأولى في الحفاظ على مستوى الأمن في المدارس، وتتحمل مسؤولية كبرى في الحفاظ على فلذات الأكباد؟ لا نعلم ما الإجراءات التي اتخذتها الوزارة في هذه الحادثة حتى لا تتكرر، فالأبناء جواهر الحياة، والحفاظ عليهم مسؤولية كبرى وأمانة في الرقاب.