أنزل الله القرآن الكريم على رسوله الكريم وأودع الله في هذا الكتاب كلَ ما تحتاجه البشرية من العلوم والمعارف والأخبار والقصص والأحكام والعظات. لذا فقد اعتنى المسلمون بكتاب الله تعالى منذ العهد النبوي إلى عصرنا الحاضر. ولم يزل أهل الإسلام يولون كتاب الله أعظم عناية وأجلّ اهتمام، وكم أوقف المسلمون على مرّ العصور المصاحف في وثائق أوقافهم ووصاياهم، وكم جعلوا من مصارف أوقافهم نسخ المصاحف وطباعتها وتوزيعها، لما علموا من الأجور العظيمة المترتبة على قراءة كتاب الله والعمل به. ويكفي المسلم أن يتأمل في قول النبي ﷺ كما في حديث عثمان رضي الله عنه: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه» وما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف..»، ورحم الله الشاطبي يوم قال: وَإِنَّ كِتَابَ اللهِ أَوْثَقُ شَافِعٍ وَأَغْنى غَنَاءً وَاهِبًا مُتَفَضِّلاَ وَخَيْرُ جَلِيسٍ لاَ يُمَلُّ حَدِيثُهُ وَتَرْدَادُهُ يزْدَادُ فِيهِ تَجَمُّلًا فَيَا أَيُّهَا الْقَارِي بِهِ مُتَمَسِّكًا مُجِلاًّ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ مُبَجِّلا هَنِيئًا مَرِيئًا وَالِدَاكَ عَلَيْهِما مَلاَبِسُ أَنْوَارٍ مِنَ التَّاجِ وَالحُلا فما ظنكم بالنّجل عند جزائه أولئك أهل الله والصفوة المَلا ولقد تواكبت عناية المسلمين بالمصحف الشريف مع التقدم التقني في الطباعة والإخراج، وبدأت قصة أعظم عناية بكتاب الله على مرّ التاريخ مع وضع حجر الأساس لمجمّع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينةالمنورة عام 1403ه، وافتتحه خادم الحرمين الملك فهد رحمه الله عام 1405ه حيث يُعدُّ هذا المجمع أكبر مطبعة في العالم لطباعة المصحف، وهو إحدى المعالم المشرقة التي تقدمها المملكة العربية السعودية لخدمة الإسلام والمسلمين في مختلف أرجاء العالم، وينتج المجمع سنويا ما متوسطه عشرة ملايين نسخة، ويوزع مثلها على المسلمين في جميع القارات، وقد أنتج أكثر من 160 إصداراً، وما يزيد عن مئتي مليون نسخة، ويُجري المجمع دراسات وأبحاثا مستمرة لخدمة الكتاب والسنة، ويضم أحدث ما وصلت إليه تقنيات الطباعة في العالم، والمجمع قصة فريدة وخالدة في عناية المسلمين بكتاب رب العالمين، ويستقى مما مضى فوائد جليلة منها: * أن يحرص المسلم على أن يوقف على القرآن الكريم، على طباعته ونشره، وعلى ترجمته وتوزيعه، وعلى تدريسه وتعليمه، وعلى حفظه ومدارسته، وعلى تدبره والحث على العمل به. * من أعظم أبواب الخير الوقف على جمعيات تحفيظ القرآن الكريم وحلقاته المنتشرة في البلاد كي يكون المسلم شريكا في أجر تعلم القرآن الكريم وتعليمه. * من صور الوقف على القرآن الكريم أن يسعى المسلم إلى توزيع المصاحف في المساجد وبالأخص المساجد الموجودة في القرى والهجر والأماكن النائية. * ومن صور الوقف على القرآن الكريم إنتاج برامج وتطبيقات إلكترونية تخدم كتاب الله وتساهم في نشره امتثالاً لقول الحبيب ﷺ: «بلغوا عني ولو آية» والله الموفق.