تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، افتتح أمير منطقة المدينةالمنورة الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز، اليوم الثلاثاء، الندوة الدولية عن "طباعة القرآن الكريم ونشره بين الواقع والمأمول" التي ينظمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بفندق مريديان المدينةالمنورة، وتستمر لعدة أيام. وقد ألقى الوزير الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ كلمة استهلها بحمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسول الله، ثم توجه بالشكر للأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينةالمنورة ولضيوف الندوة الذين حضروا وشاركوا في افتتاح الندوة.
وقال: أحمد الله تعالى كثيراً على ما من علينا بالمملكة العربية السعودية بالرعاية التامة لكتاب الله تعالى تحقيقاً لأمر الله تعالى وتوفيةً لخدمة الدين الإسلامي ورعايته والنهوض به، إن الله تعالى أنزل القرآن وحفظه قال تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، وحفظ القرآن حفظ من أي تحريف لفظي أو كتابي أو علمي، والله - جل وعلا - قال في أول كتابه الكريم {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه}، والكتاب أي المكتوب والمجموع ككتاب، وهي في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – كان صحفاً تجمع في صندوق عند سارية في مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم – تسمى أسطوانة المصحف، تجمع فيه تلك الأوراق ولم يكن ثم أوراق مجموع على هذا النحو، وفي قوله تعالى {ذلك الكتاب} أي اجمعوه كتاباً كما أنزله الله - جل وعلا - { لا ريب فيه } لا يكون الريب في هذا الكتاب حكماً من الله - جل وعلا - قدرياً وكونياً وكذلك لا ريب فيه حكماً من الله تعالى شرعياً يعني اجعلوا أنتم أيها المؤمنون في هذا الكتاب هذا الكتاب لا ريب فيه في لفظه ولا في نقله ولا في كتابته، ولهذا اهتم الخليفة الراشد أبو بكر الصديق – رضي الله عنه - ثم عمر، ثم عثمان – رضي الله عنهم – بهذا المصحف اهتماماً عظيماً فجعلوه كتاباً ونسخوا منه النسخ إلى الأمصار، وكانت النسخ العظيمة التي أمر بها الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بما أمر به من نسخ سمع أن الناس يختلفون بالقرآن أمر بكتابة عدة نسخ ستة أو سبع ثم بعثها إلى الأمصار برسمٍ واحد يحفظ أو ينقل لا اختلاف به بالرسم وسمي هذا الرسم المنسوب بالرسم العثماني نسبة إلى الخليفة الراشد رضي الله عنه وهذا الرسم أوجب العلماء الالتزام به وعدم الحيدة عنه والخروج عنه بأي اجتهاد لأن في هذا الرسم استيعاباً للقراءات المتنوعة التي هي جزء من الأحرف السبعة التي أنزلها الله - جل وعلا - على نبيه كما قال عليه الصلاة والسلام: (أنزل القرآن على سبعة أحرف).
وأشار إلى أن الأمة اعتنت بالقرآن كتابة وتدويناً حتى أنهم في رسم المصاحف ألفوا كتباً تبلغ مجلدات في دقة رسم كل حرف من المصحف، وفي رسم المدود، وفي طريقة الكتابة وما يكتب من أول السطر وما يكتب في وسطه في طريقة متناهية في الدقة حتى كان رسم المصحف يجاز بين أهله كما تجاز قراءة المصحف بالروايات وهذا من عظيم الاهتمام بنقل ورسم المصحف كما نقله الأولون بدون اختلاف ولا تفاوت.
وأبان المشرف العام على المجمع أن الأمة خدمت هذا القرآن كتابة بالقلم باليد ثم لما ظهرت الطباعة اجتهد الناس في طباعة المصحف الشريف بأحرف الطباعة في أوروبا وفي العالم الإسلامي لكن استقر الأمر على أن طباعة المصحف بحروف الطباعة أنه لا يسوغ ولا يحقق رسم المصحف المطلوب ولا يحقق الحفاظ على القرآن، وصار الأمر بين الأمة إجماعاً على أن المصحف يطبع على كتابة بخط اليد، يتبع فيها أصول الكتابة ويتبع فيها الأصول المتلقاة عن علماء الرسم وعلماء الخط، وكان في هذه الخطوة بعث جديد للمحافظة على المصحف بعد أن كاد مع حروف الطباعة أن يأتي تحريف كبير.
وجدد وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد التأكيد على أن المملكة العربية السعودية قامت على الإسلام وعلى نصرة الكتاب ونصرة السنة وجاء ذلك مؤسساً ومكرراً في النظام الأساسي للحكم في عدة مواد في أن من واجب الدولة المحافظة على الإسلام والمحافظة على القرآن والمحافظة على السنة ونصرة الكتاب والسنة وتطبيق شريعة الكتاب والسنة والدعوة إليها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن هذا الأسس العظيمة جاء الاهتمام الكبير للمملكة العربية السعودية بالمصحف الشريف حتى يحقق أمر الله - جل وعلا - قال تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }، قدراً وإنا له لحافظون حكماً شرعياً للأمة، مشيراً إلى: إن قيام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف جزى الله الملك فهد بن عبدالعزيز خير الجزاء على ما قام به في بناء هذا الصرح العظيم، هذا المجمع فاق كل المطابع في العالم بكونه ليس مطبعة وإنما هو مجمعاً علمياً كبيراً لا يخرج منه نسخة من المصحف الشريف إلا وهي مدققة تدقيقاً علمياً عالي الجودة لضمان سلامة المصحف ومن هنا طبع من المصحف الشريف إلى الآن أكثر من مائتين وثلاثين مليون نسخة وبلغت الإصدارات للمجمع في علوم القرآن بأجمعها من المصحف وتراجم معاني القرآن التي بلغت الآن ثلاث وستون ترجمة بلغ جميع ما أصدر المجمع خدمة للقرآن الكريم ما يقرب من ثلاثمائة مليون نسخة متنوعة، وهذا الحفاظ وتجربة المجمع الكبيرة التي تشرف عليه هيئة عليا علمية في هذا المقام أقدم الشكر والتقدير لزملائي العلماء في الهيئة العليا للمجمع الشكر والتقدير على اهتمامهم بهذا الصرح الكبير، حيث قام المجمع بهذه الصيانة العظيمة لطباعة المصحف الشريف وسلامته بقراءات وروايات متنوعة، وهذا يعطي مهمة كبيرة للمجمع في الحفاظ على القرآن ومن هنا جاءت هذه الندوة لطباعة القرآن الكريم ونشره بين الواقع والمأمول لتؤكد لكل من يهتم بطباعة القرآن الكريم أن طباعة القرآن ليست نزهة سهله، فهذه الندوة تؤسس لقوة إسلامية عامة لكل من يريد طباعة المصحف الشريف، أسأل الله - جل وعلا - أن يجعلها لبنة مهمة بمشاركة العلماء والباحثين في استقرار الجودة العليا لطباعة المصحف الشريف.
واسترسل قائلاً: إن لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز –حفظه الله – حرصاً كبيراً على مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وكذلك لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد ولسمو ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز لأنه يمثل واجباً كبيراً من واجبات الدولة، فأسأل الله - جل وعلا - أن يثيبهم وأن يجزيهم خيراً على هذا الاهتمام الكبير بهذا المجمع، معرباً عن شكره وتقديره لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان على حضوره وافتتاحه هذه الندوة حيث كان لحضوره إضافة جديدة لهذه الندوة، ولجهوده كذلك في خدمة مدينة المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وساكنيها.
وكان الحفل الذي أقيم بهذه المناسبة قد بدأ بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، تلى ذلك كلمة الأمين العام للمجمع ورئيس اللجنة التحضيرية للندوة الدكتور محمد سالم بن شديد العوفي نوه فيها بالدور الرائد لقادة المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين، ومن ذلك هذا الصرح العظيم مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف الذي عمت إصداراته آفاق بلاد المسلمين في كل مكان حتى بلغت الآن حوالى (300) مليون نسخة.
وقال د. العوفي: إن الندوة تتشوَّف إلى أن تحققَ أهدافها في بناءِ قواعدَ وأسسٍ مرجعيَّةٍ، وصياغةِ منهجٍ أمثلَ لطباعة المصحف الشريف ومراجعتِه وتدقيقهِ، كما تتشوَّف إلى تيسير سبل اللقاءِ والتشاورِ بين المختصين في طباعة المصحف الشريف؛ للوقوف على التجَارِبِ والخبراتِ التراكمية، والإفادةِ من التقنية الحديثة، واستنهاضِ هِمم المختصين والخبرَاءِ؛ لخدمة القرآن الكريم طباعةً ونشراً، وتذليلِ العوائق التي تعترض مسيرةَ، طباعة المصحف الشريف ونشره، مبيناً أن للندوة خمسة محاورَ، ولافتاً في ذات الوقت إلى أن اللجنة العلميةَ للندوة استقبلت (111) مئةً وإحدى عَشْرة فكرةً منبثقةً عن محاور الندوة وموضوعاتِها، وبعد دراسةٍ لهذه الأفكار قَبِلَتْ منها (79) تسعاً وسبعين فكرةً، ووصل عدد البحوث التي استقبلتها اللجنة إلى (72) اثنين وسبعين بحثاً، واستبعدت منها بحثين، وأرسلت الباقي للتحكيم، وقد استبعد من البحوث - بعد تحكيمها - اثنا عشر بحثاً، وقبِل منها (58) ثمانيةٌ وخمسون بحثاً دفِعَت للطباعة لتخرجَ في ستةِ مجلدات، كما يصاحَب الندوةَ مَعْرِضٌ يَضمّ بعضَ المصاحفِ التاريخيةِ المطبوعةِ النادرةِ من مختلف البلاد الإسلامية، وبعضَ إصدارات النشر الإلكترونية لنصِّ القرآن الكريم.
ورفع الأمين العام للمجمع رئيس اللجنة التحضيرية للندوة الشكر الجزيل والامتنان الوفير لولاةِ الأمر في هذه البلاد، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ووليّ عهده الأمين، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيزِ، وصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليّ وليِّ العهد، حفظهم الله جميعاً، كما توجه بالشكر الجزيل لصاحب السمو الملكي الأميرِ فيصلِ بن سلمانَ بنِ عبدالعزيز أميرِ منطقة المدينةالمنورة على متابعته المستمرة لأعمال المجمع وأحدث إنجازاته، وللشيخِ صالحِ آل الشيخ وزيرِ الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، المشرفِ العام على المجمع، على تفقده المستمرِ وتوجيههِ السديدِ لسير العملِ في المجمع، معرباً عن شكره للجانَ الندوة، والباحثين الذين شاركوا في هذه الندوة ببحوث مميزةِ، من داخل المملكة وخارجها.
عقب ذلك ألقى د. أحمد خالد شكري من الجامعة الأردنية كلمة المشاركين في الندوة نوه فيها بالرعاية الكريمة من قبل حكومة خادم الحرمين الشريفين لهذه الندوة، وقال: إن عقد هذه الندوة يأتي برعاية كريمة واعتناء ومتابعة موصولة من حكومة المملكة العربية السعودية، بقيادة وتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظهم الله جميعا وجزاهم خير الجزاء على ما يقدمونه من خدمة لكتاب الله تعالى ودينه الحنيف، ولا يقف هذا الجهد المبارك عند الحدود الجغرافية، فقد تعداها إلى جميع بلاد المسلمين بل إلى جميع بلاد المعمورة.
وأكد أهمية موضوع الندوة، نظراً لكثرة الجهات ذات العلاقة به، فمنها جامعات وجمعيات ومؤسسات ومدارس قرآنية، ومنها دور النشر والطباعة والتوزيع، ومنها شخصيات علمية وباحثون، ومواقع متخصصة بالقرآن الكريم وعلومه في الشبكة العالمية، وكلها شغف ورغبة في خدمة كتاب الله تعالى على الوجه الأمثل والأحسن.
وأعرب عن تتطلع الجميع إلى هذه الندوة بترقب واهتمام لما سيصدر عنها بإذن الله من نتائج وتوصيات تتعلق بالمأمول الذي يشكل الصورة المثلى في حسن التعامل مع كتاب الله تعالى وخدمته على الوجه اللائق به، بدافع الرغبة في رضى الله سبحانه، ونيل الأجر والثواب.
وأثنى د. شكري على حسن الإعداد لهذه الندوة بالتنويع في محاورها لتشمل الجانب التاريخي والعلمي والتقني، مع تخصيص جهود المجمع بمحور خاص لتميزه وتفوقه وتنوع مجالات أنشطته القرآنية وسعة دائرة علاقاته التي شملت بلاد العالم الإسلامي كله، كما أحسنوا بتنظيم معرض للمصاحف ليتمكن الزائرون والمشاركون من الاطلاع على الجهود الكبيرة المبذولة في الاهتمام بالمصحف عبر القرون.
وعقب انتهاء الوزير من كلمته، قدم هديتين إلى الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز، عبارة عن نسخة جديدة من المصحف الشريف بإخراج فني متميز، ونسخة من طباعة مصحف المدينةالمنورة بطريقة برايل سورة الفاتحة وجزء عم مرحلة أولى.
وبعد نهاية الحفل الخطابي للندوة توجه الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز والوزير الشيخ صالح آل الشيخ وضيوف الندوة والمشاركين فيها إلى مقر المعرض المصاحب، حيث قصا الشريط إيذانا بافتتاح المعرض ثم تجول في أجنحة المعرض المختلفة وتوقف عند مجموعة من إصدارات المجمع الجديدة مستمعا إلى شرح مفصل من المختصين عنها.