للرحيل المفاجئ قسوته التي تخلع القلوب، وتُشعرُها بالفقدِ والألَم، وكلّما جمعتكَ بمن تُحبّ مودّات، يكونُ الفقد أقسى على النفس، والفراقُ أوجَعُ. ومشاعرنا تجاه الآخرين لا تحملها اللقاءات الشخصية الواقعية فحسب، بل من الراحلين من تجمعُك بهم خُيوطُ مُودّة ومشاعر حُبٍّ، وإن لم تقابلهم يومًا، فَمِنَ النَّاس مَنْ يقذِفُ الله محبته في القلوب ومهابته أيضًا. وقد كان اللواء عبدالعزيز الفغم أحد من يجمعون بين المحبّة والمهابة بنظراته الذكيَّة الصارمة، وملامح وجهه الجادّة، وفي الوقتِ ذاتِه مشاعر المحبة الصادقة والإخلاص في خدمة الملك وحراستِه؛ حيث كان الحارس الشخصي للملك سلمان -حفظه الله -، وقبله الحارس الشخصي للملك عبدالله -رحمه الله -، كما كان أبوه رفيقاً للملك عبدالله، ولازمه قرابة ثلاثة عقود. وعلى قدر الحبّ والإخلاص والولاء تكون الفجيعة؛ حيث ألقت علينا وسائل الإعلام خبر رحيله، فنزل الخبر على جموع الشعب السعودي كالصاعقة، ولا تعنينا ملابسات رحيل الفقيد، بقدر ما يعنينا الأثر الذي تركه في النفوس. ومشاعر الفجيعة والحُزن التي خيّمت على جموع الشعب السعودي لهذا المُصاب الجَلل: كذا فليجلَّ الخَطْبُ ولْيَفْدَحِ الأمرُ فليسَ لعيْنٍ لم يَفِضْ ماؤُها عُذْرُ أنبكي إخلاصه ووفاءه وحُسن قيامِه بمهامه، فكان أهلاً للثقة، ومحلاً للتميّز، حتى حاز لقب أفضل حارس شخصي على مستوى العالم، وحتى كان حقيقًا بترقيته الاستثنائية من رتبة العميد إلى رتبة اللواء في عام 2017م. كان للفقيد حضوره البارز، حتى غدا أيقونة لها حضورها المميز، وأثرها الطيِّب في نفوس السعوديين؛ حيث لم يكن يفارق الملك سلمان في جولاته، ولقاءاته. وقد أظهرت الصور التي نشرها محبُّوه قدر الإخلاص والولاء الذي كان يحمله للملك سلمان، ولأخيه الملك عبدالله -رحمه الله-. أنبكي وفاءه وتفانيه وإخلاصه؟ أنبكي ولاءه لوطنه وحبّه لمليكه؟ أنبكي ونبكي..، وإننا مع البكاء لنُسلِّمُ بقضاء الله الذي قضى على الجميع بالموتِ، فكلُّنا راحلٌ، ويبقى الأثر، وكُلّنا زائلٌ وتبقى البصماتُ التي نتركها في النفوس، ولا شكّ أنّنا تلمّسنا تلك الآثار والبصمات في مشاعر الحُزن المتأججة على رحيل اللواء الفغم الذي رحل عن دنيانا وهو في فورة الشباب، وعطاءات الحكمة في أواخر عقده الخامس.. رحَلَ والمصيبة تزداد وطأتها على النفس، وإن كانت بالتجلُّد والصبر يُهوّنها الله، ويُلقي بظلال السكينةِ والصبر الجميل على محبيه وأسرتِه. وإننا في هذا المشهد الحزين لا نملك إلا أن ندعو للفقيد بالرحمة، وحُسنَ الجزاء، وأن يتغمّده الله برحمته، ويُلهم أسرته الصبر وحُسن العزاء. تعازينا لخادم الحرمين الشريفين، ولأسرة الفقيد، ولعموم محبيه وعارفيه. ولله ما أعطى، وله ما أخذ، وكُلّ شيء عنده بمقدار، له الملك وإليه يُرجَعُ الأمر كُلُّه، وكُلُّ مَنْ عليها فانٍ، ويبقى وجهُ ربِّكَ ذو الجلالِ والإكرام! د. عصام بن شرف المالكي