كثير من الأشخاص لا يُدرك أن «الدنيا دوّاره»، أي أنها ستأتي بعكس اتجاه سيره، خاصةً إذا كان ظالماً لمن حوله، أو آخذاً لحقوقهم، فيسعد لفترة معينة، سرعان ما تنقلب عليه الدنيا، وكأنها توجه له رسالة مفادها: «انتبه، لا تظلم، ولا تسرق، فقد يأتي يوماً فتكون أنت الضحية». وقال عبدالله بن علي الرستم -كاتب-: لا شك أن مقولة: «الدنيا دوّاره»، صحيحة، والمقصود منها: أن ما جرى في السابق من أحداث سوف يجري في اللاحق مع اختلاف في الموقف أو الحدث، ذلك أن البشر إذا ما نظروا نحو الأمام وتغيير ما بأنفسهم ومواكبة متطلبات الحياة، وإلاّ فإنهم سيعيدون سلوك الماضين تجاه الأحداث التي تمر على حياتهم، كذلك فإن الناس في كل زمن ليسوا سواءً؛ فهناك المتعقّل وهناك غير المتعقّل، وفعل غير المتعقّل بطبيعة الحال يأتي غير مدروس، وهذا بالنتيجة يؤدي إلى تكرار الخطأ الذي ذُكر في سِيَر الماضين وردود الفعل تجاهه من قبل المعاصرين، والحال ذاته في سِيَر المتعقّلين، فإنه يتواجد من لهم مواقف مختلفة لإيقاف هؤلاء والحد من تطويرهم للحياة، إمّا لتعارض ذلك مع مصالحهم، أو لعدم تقبّلهم الأطروحة الجديدة الصادرة من عند المتعقّلين، وإمّا لأسباب مختلفة تفرضها طبيعة الحدث وما يصاحبها في الزمان والمكان، مضيفاً أن من يقرأ في أحداث التاريخ فإن كثيراً من الأحداث محط فائدة وليست قصصاً حدثت وانتهت؛ فمواقف الحكمة عند القدماء لا زالت ذات فائدة في مواجهة السفهاء، بينما المواجهة الحادة مع السفهاء تُنتج تشنّجاً في كل زمان ومكان، مشيراً إلى أن هناك تأويلاً آخر لهذه المقولة مفادها: أن ما ستفعله في غيرك من ظلمٍ أو تجنٍّ ستتعرض له يوماً ما، فهذه سنّة من سنن الحياة التي لا يمكن تكذيبها، إلاّ أن الغافلين لا يعون ذلك جيداً، لذا تصحّ هذه المقولة: «الدنيا دوّاره»، أي ستدور الأيام على فاعل الظلم ويُظلم من قبل شخصٍ آخر أو تتضح له بعض الأمور ويعضُّ بذلك أصابع الندم. حوادث تتقلب وأوضح عبدالمنعم الحسين -كاتب-: إن هذه عبارة «الدنيا دوّاره» جاءت بعدة صياغات على مر الزمن، مثل «التاريخ يعيد نفسه»، و»الأيام دول»، فالأخبار والحوادث تتقلب، ولا شيء يبقى على حال، قال تعالى: «إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ»، مضيفاً أن هذه من حكم الله سبحانه في الحياة قال تعالى: «وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ»، فالفقير يتبدل حاله إلى الغنى، والغني يتبدل حاله إلى الفقر، حارس بوابة الجامعة يتحول إلى مدير للجامعة، والجندي يتحول إلى مدير إدارة حكومية، ويكبر الطالب ثم يعود زميلاً لمعلمه في المدرسة نفسها، وقد يكون مديراً عليه، الفريق المهزوم يوماً ما ينتصر على الفريق المنتصر، واليوم نهنئ مسؤولاً جديداً ليجلس على الكرسي، وغداً يرحل ويأتي آخر كما قالوا: «كرسي حلاّق»، مبيناً أن الحكيم العاقل لا يغتر بمال ولا صحة ولا يتكبر ولا يتعالى على أحد، بل يتواضع ويحسن إلى الناس غنيهم وفقيرهم أعاليهم وعامتهم، ويصبر على ما أصابه، ويوقن دائماً أنّ فرج الله قريب. دع المقاديرَ تجري في أعَنّتها ولا تبيتنّ إلا خاليَ البالِ ما بين غَمضةِ عَين وانتباهتها يغيّرُ اللهُ منْ حالٍ إلى حالِ تصفيات القدر وتحدثت إلهام الجبارة -كاتبة- قائلةً: إن الدنيا دوّاره قطعاً، فالحياة لا تعقد صفقاتها معنا بلغة ساذجة مباشرة أو خطاب رسمي رتيب، بل هي تعتمد الجزاء من جنس العمل كتمريرة مؤكّدة لمراقبتها جميع تصرفاتنا لحظة بلحظة وخطوة بخطوة، مبينةً أن تصفيات القدر مخيفة أحياناً جرّاء دقتها المتناهية والتي لا تخطئ، فهي لا تترك مجالاً للشك أن الكينونة مضبوطة بالكل وأحداثها رازحة تحت قبضة سلسلة ممتدة من الماضي وحتى المستقبل، فهي ليست منفلتة كما يحلو للبعض الاعتقاد، فأي خطأ في قانون الكون محسوب بحيز وموضّحٌ بأثر مهما اندثر في غياهب النسيان، إلاّ أن لعنته تطارد مرتكبه بضراوة وشراسة وما صفعته بالخطأ نفسه ولو بعد حين إلاّ لتذكره بفداحة ما ارتكب مهما كان تافهاً، مضيفةً: «أتذكر مرة أن إحداهن قالت لي وهي نادمة أن الحساب لا ينتظر القيامة ليحُل بل في الدنيا يأخذ الجميع حقه»، مشيرةً إلى أن أغلبنا على الأرجح مُدرك لذلك، فقط القلة القليلة من تحتاج صفعات أقوى وسقطات أشد ليتجلّى لها ذلك. لطف خفي وأكدت دلال القحطاني -كاتبة- على أن مقولة: «الدنيا دوّاره» لن تجد إجابة لها إلاّ عند فئة جميلة ويحملون أرواحا نقية كبياض الثلج يقدمون الخير ويقابلون بالإساءة، يتأذون، يُجرحون، ولكن يقابلون الإساءة بالحسنى، موكلين أمرهم لعلام الغيوب مؤمنين وموقنين أن يومًا ما سيذيق الله المر لمن أسقوهم إياه، ولا شك أن العدالة الربانية تحتوينا حتى وإن طالت بِنَا السنين، سيعود عليهم الزمن ويذوقون مر أفعالهم ليعلموا حينها كم من القوة احتجنا لنتخطى ما فعلوا بِنَا ولنحتمل ظلمهم ويشعرون بالألم نفسه الذي سكن تلك العضلة الصغيرة ليكملوا حياتهم بأجر الأذى الذي مروا به، مبينةً أن كل شيء يحدث في هذا العالم يكون له ردة فعل لذلك ترقب ما سيعود به الزمن لك سواء من خير أم شر، فأنت من حددت ما سيعود لك في هذه الحياة، هو ما فعلته أنت وقمت باختيار طريقك، فكن جميل القالب من الداخل والخارج وعش لطيفا عابرا مر بحياة الكثير، ولم يضر متقيا ما عند ربه في يوم لا ظل إلاّ ظله، والله سبحانه لا يهب هذه الأرواح من تحديات وابتلاءات إلاّ لحكمة، أو ربما ليكفر ذنوبهم وينقيهم ويزيدهم بكل ابتلاء قوة ومع كل صبر يزيد من نضجهم ويعرفون المعنى الحقيقي للوجود، وكيف يكسبون الأجور لينخلق بداخلهم يقين أنهم يمرون بمراحل حياتهم بخطة إلهية بحتة، مشيرةً إلى أنه مع كل ألم يحمل في طياته لطفا خفيا ولترضى قلوبنا التي تحملت فتألمت فتعلمت أن كل ما عند الله لا يضيع أبداً أبداً، موضحةً أنها بالأخير دنيا زائلة وكل من عليها فان، فأحسنوا الخواتيم لتحسنوا المسكن في قبوركم وتفوزوا بالجنة. ترقب ما سيجازيك به القدر سواء من خير أم شر عبدالله الرستم عبدالمنعم الحسين