دخل المؤلف الياباني والكوميدي الشهير نيشينو أكيهيرو إلى خشبة المسرح بحفل التخرج بجامعة كينكي، وتفاجأ بترحيب بارد وتصفيق باهت من الطلبة الخريجين.. وبعد كلمات بسيطة خاطب الطلبة المتخرجين قائلاً: "بقيت عشر دقائق وستتخرجون بعدها من هذه الجامعة، وستكون هذه آخر لحظاتكم وذكرياتكم فيها.. هل تريدون أن تتذكروا هذا اليوم بأنكم رحبتم بضيفكم بهذا الشكل أم تريدون أن تتذكروا يوماً رائعاً وقفتم فيه جميعاً ورحبتم بحرارة وتصفيق لا ينقطع بضيفكم؟ الأمر لدي سيان والخيار عندكم.. والآن سأغادر خشبة المسرح وسأدخل من جديد بعد أن يعرض الفيديو التعريفي الخاص بي مجدداً، وأريد أن أرى ماذا ستفعلون وهذا الكلام يشملكم يا إدارة الجامعة وفريق تنظيم الحفل.."، وفعلاً غادر الرجل خشبة المسرح، وتم بث الفيديو التعريفي به من جديد ودخل هذه المرة بترحيب حار وهتافات ووقف الجميع ترحيباً بضيفهم. واصل السيد نيشينو حديثه: "ما حصل الآن تجربة عملية أمامكم أنه بإمكاننا تغيير الماضي ومعالجة أخطائنا.. لا ينبغي أن نضيع الوقت في التحسر على لحظات مضت بل بدل ذلك علينا أن نعمل على تغيير الماضي. وأجزم لكم بأنه لا يوجد في الحياة معنى لكلمة الفشل طالما تعلمنا وحاولنا أن نتحسن". وبالعودة إلى السؤال: هل يمكن تغيير الماضي؟ فالإجابة تعتمد بشكل كبير على نظرة المرء إلى الماضي وتعامله معه، فقد لا نستطيع تغيير أحداث الماضي، لكن نستطيع تغيير تبعاته والنتائج المترتبة عليه. فعلى سبيل المثال إذا تخيلنا شخصاً أفرط في تناول الطعام غير الصحي والابتعاد عن الرياضة لسنوات طويلة وواجه بعدها مشكلات صحية كبيرة، فإذا استسلم لواقعه المرير دون تغيير فلن يمكنه تغيير الماضي. ولكن لو بادر بتغيير نظام حياته إلى آخر صحي بتناول الطعام المفيد وممارسة الرياضة والحمية وغيرها فذلك نوع من التعامل لتغيير نتائج وتبعات الماضي وعدم الاستسلام لها وقس على ذلك. ومن اللطيف هنا الاستشهاد بكلمات د. إبراهيم الفقي - رحمه الله - عن "استراتيجية تغيير الماضي" في قوله: "لا أحد يستطيع تغيير الماضي لكنه قد يستطيع تغيير وجهة نظره واعتقاده فيه، والنظر في تلك التجارب المؤلمة ليتعلم منها ويكتسب المهارات التي تضمن لنا مواجهة أفضل مع مواقف مستقبلية. ولتنفيذ تلك الاستراتيجية، على الإنسان تذكر تجربة سيئة من الماضي وكيف كانت أحاسيسه وسلوكياته وردود فعله، ومن ثم التفكير فيما استفاده من تلك التجربة ومقارنة درجة الوعي بالمهارات التي اكتسبها الشخص حديثاً في مواجهة تلك المواقف التي حدثت في الماضي إن تكررت في الحاضر، وقد يجد الإنسان حينها أنه قد أحسن التصرف وأصبح ماهراً في اجتياز ما مرّ به". وختاماً، فمبدأ التوبة في ثقافتنا الإسلامية يعتبر دليلاً عملياً على إمكانية تغيير الماضي بالإحسان في الحاضر والتغيير الإيجابي كما في قوله عز وجل: (إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فأولئك يبدّل الله سيّئاتهم حسنات).