مسرح مستشفى الخانكة في القاهرة هو ثاني المسارح «النفسية» في العالم العربي بعد مستشفى العباسية للأمراض النفسية والعقلية. ويتفردّ الخانكة بخروجه من حلقة السيكودراما، إلى سيكودراما المسرح، في محاولته بثّ السعادة والأمل في قلب وعقل كل مريض، عبر اعطائه فرصة المشاهدة والأداء في الحفلات الغنائية على مسرحه. ومن التجارب الجديدة في مسرح الخانكة، مسرحية «عفريت لكل مواطن» للكاتب لينين الرملي، التي تؤدي فيها الأدوار مجموعة من المرضى المقيمين بالمستشفى هم عبير مينا وسمية علي ونور حامد وخالد برعي وعايدة تمام ونهى أحمد، والراحل جابر علي؛ وديكور عفت بركات، موسيقى وإعداد دكتور مصطفى قاسم وإخراج دكتور مينا. «طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات... طوبى للحزانى لأنهم يتعزون... طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض». تردد عبير سراً، وهي تنظر حولها بعينين قلقتين، وتتساءل، ماذا غداً؟ عبير مينا في العشرين من عمرها، أخذها القدر إلى مستشفى الامراض العقلية. حاولت الفرار من قدرها، لكنه لم يسمح لها، فبعد أن شفيت عاد بها أهلها للقدر نفسه، خوفاً من الوصمة الاجتماعية. تراءى لعبير اليأس، لمعت في خاطرها فكرة الموت، ولكن ماذا تفعل بعد الموت؟ هل هناك خشبة لتقف عليها وتشكو همومها لتنظر الى حياتها بعيني مشاهد كم أملت جلوسه أمامها يوماً؟ عادت إلى صوابها، وعادت إلى مسرح تردد عليه سؤالها البديهي: ماذا عن الغد؟ تقف على المسرح وتنظر الى السماء تحدثها: «هل ما قمت به من بروفات كافٍ لنجاحي؟». وتردد بصوت هامس: «أرجو ذلك». «عفريت لكل مواطن» عرض تعجب الجميع من اختياره ل»مجموعة مجانين». ولكن هل يوافقهم «المجانين»؟ تقول عبير إن العرض يعبّر عن حلمها، فهي ترغب حقاً ب«عفريت» قد يحقق لها يوماً حلمها، ليرد عقلها إليها، وتخرج من مستشفى تقطن فيه منذ ما يقارب 15 عاماً... تخرج إلى حياة تدرك جيداً زيفها، لكنها اعتادت الحلم بها على خشبة بغرفة في زاوية المستشفى. وتؤكد نانسي أحمد أنها بالمشاركة على خشبة المسرح تشعر ب«تغيير يدخل على استحياء ليغير ما بداخلي من سراب اعتدته في سنوات مرضي». وفي لحظات قليلة من النشوة والبهجة لأحد المرضى عبدالمنعم عال، بعد إبداء المخرج إعجابه بأدائه على خشبة المسرح، يقول إن اسعد لحظاته هي لحظات أدائه على الخشبة، مشيراً الى صعوبة النص وحفظه، «لكن متعة الأداء تغنيني». ويقول مسؤول وحدة التأهيل النفسي في المستشفى الدكتور مصطفى قاسم إن «السيكودراما أسلوب علاج قديم، لكن تفعيله جاء متأخراً في مصر والوطن العربي»، مؤكداً تعجيله في شفاء المرضى، ومشدداً على مراعاته المرضى وحالتهم الصحية، «خلال اختيار النصوص والأدوار، بحيث تكون بسيطة من دون تسطيح ولا تعقيد». وتقول المسؤولة السابقة عن قسم التأهيل والتي ساهمت في تأسيسيه، الدكتورة حنان محمد، من جانبها، إن «المريض النفسي يعشق المسرح بطبعه، ويتفاعل معه بنسبة قد تصل إلى 100 في المئة؛ لديه مشاكل في القدرة على التعبير، والمسرح يساعد في علاج تلك المشاكل الظاهرية». ويؤكد الإختصاصي النفسي في وحدة التأهيل بجامعة عين شمس أسامة الجندي، أهمية «العلاج بالفن بأنواعه، من مسرح وموسيقى ورسم، وذلك لمساعدة الفن للمريض في تخطي مشاكله، واستعادة حاجات سبق أن فقدها خلال مرضه وتلقيه للعلاج». «الشعب يريد إسقاط العقل»، جملة يرددها الفنان التشكيلي والمخرج المسرحي شادي الدالي، تعليقاً على ما تقدمه المسارح النفسية، واصفاً بها «حاجة المسرح للإبداع، بل حاجتنا جميعاً له»، ومعتبراً أن «الفرق بين الجنون والإبداع شعرة، والمسرح هو ما يلهم المجنون بالإبداع، إذاً هل جميعنا يحتاج الى الجنون؟». أما الناقد المسرحي الدكتور محمد الخطي فيوضح أن «المسرح داخل الخانكة أو خارجه بحاجة للسيكودراما، وليس ذلك فقط، بل إن المواطن المدعي العقل أكثر حاجة لها من المجنون»، مؤكداً أن الخانكة «أصبح أكثر تعقلاً من خارجه»، ويسأل: «هل السيكودراما تُعدّ حلاً مرضياً للخانكة؟». سؤال تجيب عليه التجربة العملية على خشبة المسرح.