تبدأ الحقيقة عند بلوغ العقل مداركه الصحيحة، وربما نقول إنها مرتبطة بنضوج العقل ووصول مستوياته إلى حد الذي تبنى عليه أجزاء المعرفة. ويكمن السؤال هل وصل الإنسان إلى حقائق الأشياء؟ ولو وصلها هل نقول من خلال عقله أم نظره أم هناك طرق أخرى للوصول إليها؟! نعم هي أشياء كثيرة ولعل النفس هي أول الأشياء. ويقع السؤال حول النفس هل هي مدركة جواهر الأشياء أم من خلال الأعراض تدرك حقيقة أصل الأشياء أي جواهرها، وهل العرض طريق سهل لوصول الحقائق؟! نستطيع معرفة الإنسان المريض من خلال الأعراض التي بانت على مظهره الخارجي، وهنا تغيرت صورته وأصبح مكشوفاً للمبصرين. ولكن ماذا نقول عن العقل هل يدرك هذه الحقيقة أو هذا العارض قبل رؤية العين؟ وهل النفس تستشعر من خلال البعد أن هذا الحادث حدث بلا رؤية العين ولا إدراك العقل؟! هنا نستنتج أن العين قصيرة في نظرها حتى لو كان العقل حاضراً، والعقل غير مدرك لحقيقة الأشياء إلا من خلال الحس والحس يتجلى من النفس. ربما يعارضني أصحاب نظرية العقل، ولكن سؤالي كيف تشعر الأم بمصيبة ابنها دون أن تبصر الحدث أو تدركه من خلال الخبر؟ أليست هي النفس التي تشعر وتعطي إشارات إلى جميع الحواس للعمل بمقتضى الحال. هنا ندرك أن الأعراض ليست الوحيدة لمعرفة الأشياء وإنما النفس توازي العوارض في الحدوث عند الحادثة. ولكن ماذا عن الباراسيكلوجيا أي ما وراء النفس، فهذه القدرات التي يمتلكها أصحابها فاقت العقل ومداركه، أي أن العقل يكتشف الأشياء التي تقع أمامه، أما النفس وما وراءها تدرك المستقبل بحذافيره وتفاصيله، كشخص يرى رؤية في المنام أن جاره أو صديقه سوف يتعرض لمصيبة خلال ساعات أو أيام كحادث سير مثلاً أو سرقة.. وإلخ. وتقع الأحداث بجزء منها أو بتفاصيلها. ليست هذه الأشياء صدفة وليست خيالَ كاتب قصصٍ ولا الفكرة حاضرة قبل المستقبل، وإنما هي أشياء تقف وتقرأ الأحداث قبل حدوثها بزمنٍ. هي ليست عوامل تنبئية أو هرطقة كالذي يحدد حدوث شيء في العالم. فالذي يحدد العموميات نادراً ما نجده ولا يتكرر، بأن يتنبأ بزمنٍ لم يتكون وأن حدوثه بعيد جداً ربما بعد مئة عام أو ألف مما نعد. هي أشياء لا تحكى ولا تشترى، وإنما وجودها ساكن في أنفسنا وخامل. فالسؤال الذي يحيرنا من الذي يحرك هذه الأشياء وينبئنا بحدوثها، هل العقل أم النفس؟ لهذا أشك أن بين العقل والنفس قاسماً مشتركاً ومفقوداً وربما هو الباراسيكلوجي. فإذا امتزج العقل والنفس في جوهرٍ واحد ينتج ما يسمى بخوارق اللاشعور.