المتأمل في المحسوسات سوف يجد أن العين التي تُدْرَك بواسطتها المحسوسات يمكن أن تخطئ فترى المتحرك ثابتاً أو العكس.. وترى الكبير صغيراً حتى لو كان في واقعه أكبر من الأرض.. وكذلك الحال بالنسبة لما يُحَس باللمس أو السمع أو الشم أو الذوق.. أي أن ما يمكن أن يُظَن أنه محسوس يقيناً ربما كان في الواقع إحساساً خادعاً نتيجة البعد الشديد أو القرب الشديد أو العاطفة العمياء أو السقم المرضي أو الجهل أو الغفلة.. أو ربما ضعف العقل. وإذا اتفقنا أن العقل هو الحَكَم الذي يوضح خطأ المحسوس وربما يصححه.. فهل للعقل حاكم أو مؤشر أو قياس يوضح كذبه من صدقه وخطأه من صوابه؟.. فليس من العقل أن نقول إن العقل لا يُخْدَع ولا يُخطئ.. فمما يحد من قدرة العقل ارتكازه على الحواس وهي تخطئ.. واستناده على تخيله والخيال هو نتيجة ما يحفظه ويعلمه.. كما أن العقل محدود بحدود الزمان والمكان والظروف.. ومع هذا فإن العقل لا يتصل ولا يكشف عن حقيقته إلا لعقل آخر. وإذا عرفنا أن حواسنا الخمس الظاهرة لا تكفي لتحديد الواقع وإثبات الحقيقة وتأكيد الصحيح.. إما بسبب أنها تخدعنا لأنها ناقصة أو تضللنا لأنها قاصرة عن تحقيق درجة الصحة.. فهل للحاسة السادسة موقع بين المحسوسات والعقليات؟.. وهل هي موجودة لدى كل البشر؟.. وهل يمكن تطويرها كمهارة؟.. ولماذا تكون أكثر نمواً وقوة لدى الصغار والبلهاء والأقل ذكاءً أو المرضى نفسياً.. ولماذا تبرز في حالات الفزع أو اللهفة أو الترقب وبالذات في الوالدين تجاه أبنائهم؟ أيضاً ماذا عن مزايا العقل.. وهل من مزايا العقل فقط الإدراك والفهم والقابلية للتعلّم والرقي وحفظه للأشياء والمعلومات والصور والمقارنة والاستنتاج والقدرة على التعبير.. أم أن له مزايا خفية أخرى؟.. ولماذا يقتنع الناس بالأسباب العقلية لكنهم لا يتحركون إلا لأسباب عاطفية؟.. وأين تقع حالة الإدراك والإلهام والتجلّي والحدس بين حالات المعقول والمحسوس.. وهل هناك حالات أخرى؟ يقول أعظم فلاسفة الإسلام ابن سينا: إن الإدراك يكون في حالتين الأولى ظاهرة وهي ما يُدْرَك بالحواس الخمس والثانية باطنة وهو يوصف بالإحساس الذي قد يكون حقاً وقد يكون وهماً.. والإحساس يغرف من الذاكرة الحافظة.. أما الذاكرة المفكرة فهي تتسلط على مخزون الذاكرة فيخلطها حيناً ويفرزها ويصنفها حيناً آخر.. وينتج عن ذلك مدركات جعلت اختلاف أفكار الناس وآراءهم باختلاف وجوههم.