نشأت الإدارة في شكلها العلمي إبان الثورة الصناعية، حيث بدت حاجة المنظمات والمصانع إلى ممارسة الإدارة بشكل مدروس ومنضبط، فولدت حينها الإدارة التقليدية الأولى، ثم توالت الأفكار والنظريات والمدارس الإدارية، وباتت كلها رتيبةً أمام مفهوم آخر بدأ يطغى على السطح ويثبت جدواه الرصينة في ظل الحاجة الملحة، ألا وهو مفهوم القيادة في المنظمات والمنشآت، ليتحول المفهوم من تطبيقٍ للوائح كالآلة الموجهة إلى روحٍ تعي وتدرك طبيعة العمل والناس، فدرس علماء الإدارة مفاهيم القيادة وتطرقوا لها تصنيفاً وتعريفاً وتلطيفاً فخرجوا بأنواع ليست بالقليلة للأنماط القيادية، ولعل أكثرها تأثيراً هي القيادة التحويلية، وهي التي تقوم بتحويل الأشياء إلى أشياء أخرى مختلفة تماماً في الفكر والمادة. لقد كان العجوز الهندي "غاندي" أحد هؤلاء القادة التحويليين، ولكنه لم يستطع تجميع الحشود حول أفكاره وهو يقبع بشوارع لندن ويأكل بالشوكة والسكين، ولم يكن ذلك البطل وهو المحامي المهذب الذي يلبس البدلة والكرفتة في جنوب إفريقيا، ولم يعرفه أحد حتى خلع البدلة ولبس قطعة القماش البيضاء يلف فيها جسده كفقراء الهند ثم نزل إلى شوارعهم الحزينة وأكل من طعامهم واستمع إليهم، وابتسم في وجوه القاعدين والعابرين ليطمئن الأنفس الملتهبة ويبث فيها روح الحياة. لم يتمكن غاندي - بطل المليار ونصف المليار نسمة - من قلوب الناس حتى خالطهم، تواضع لأجلهم واقترب منهم، وعاش حياتهم بحلوها ومرها، فكيف لهذا التواضع أن يصنع المعجزة؟! إن حالة هذا الهندي المثقف تدلل بشكل واضح على الرأي القائل: إن القيادة أن تكون ضمن الفريق لا أن تكون رقيباً عليهم فقط، ومؤشر نجاحك في ذلك هو مدى تجانسك معهم إلى الدرجة التي يصعب فيها على الغرباء تمييزك من بين أعضاء فريقك، فلا يدري الغريب أين أنت قبل أن يسأل عنك. إنني أتساءل حينما أشاهد ذلك المدير الصغير وهو يحاول أن يكون مهاب الجناب عصي المزاج، لا يريد أن يتلطف لأحد، يخشى على هيبته الوهمية من الزوال، ألسنا بحاجةٍ ماسة إلى القادة في منظماتنا؟؟