انتقلت الشحاذة وربما الحاجة إلى "تويتر" بعد فترة وأخرى يأتي من يطلب تسديد فاتورة أو يطلب تسديد إيجار، ولا أنسى من يجمع ديّة لإنقاذ شقي ارتكب جريمة، قد يكون هؤلاء محتاجين، لكن كما أن هناك مأجورين في الإنترنت يتعاونون مع الأعداء فليس غريباً أن يكون في الإنترنت نصابون، الحكمة تملي علينا التريث فالبؤس يشمل الطرفين. قضية الشحاذة لا تتعلق بالفقر الشخصي وحده، ثمة فقر اجتماعي. طبيعة الإنسان وموروثه الاجتماعي لا يسمح له أن يمارس بعض المهن، عدد المهن التي يستطيع ممارستها قليلة فيصبح من الصعب عليه أن يحصل على وظيفة، ظاهرة الشحاذة عند الحاجة والكاذبة قديمة قدم شهر رمضان. الشحاذة في الغالب ثقافة أكثر منها حاجة، ثمة شعب من الشعوب الشهيرة يجوب القرى والمدن ويرفض الاستقرار والتعليم ويرفض مخالطة الشعوب الأخرى، التجوال وقراءة البخت كغطاء للشحاذة أساس اقتصاده، قررت دولة من الدول الاشتراكية في الثمانينات من القرن الماضي توطين هذا الشعب وإكساب أفراده جنسيات وتعليم أولادهم في المدارس مع بقية الأطفال، رفضوا كل أشكال التطبيع وفضلوا السير على خطى الآباء والأجداد. المفاهيم ليست أزلية وليست متناسخة بين الشعوب، الكرامة عند شعب ليست بالضرورة كرامة عند شعب آخر، تعريف الشرف يختلف من شعب إلى آخر، بعض الشعوب يرى الشحاذة تمس الكرامة والشرف، وبعضها الآخر يراها من منظور مختلف. الشحاذة قضية معقدة، لا ترتبط بالفقر دائماً، الفقر أساساً نسبي. بعضهم يشحذ لقمة عيشه، وبعضهم يشحذ سيارة وتذكرة سفر.. إلخ. نشاهد شحاذين في بلاد الغرب في المدن الكبرى فقط، الشحاذة في الدول الغربية إما أنها وافدة أو تتعلق بالمشردين. الشحاذون الوافدون في المدن الغربية الأوروبية على وجه الخصوص ثمرة الاتحاد الأوروبي، وانضمام بعض دول أوروبا الشرقية سهل انتقال الشحاذين إلى دول أوروبا الغربية، أما المشردون الذين نراهم في كندا وأمريكا فهؤلاء أقرب أن يكونوا من فئة المعوقين، يعانون من مشكلات عقلية، معظمهم مدمن على الكحول أو المخدرات، يعانون من اعتلال نفسي، لا يستطيعون إنجاز أي عمل، يفتقرون لاحترام الذات، يتسكعون في الصيف على الأرصفة وفي الشتاء تتكفل الحكومة أو الكنائس بإيوائهم، كل ما يشحذونه من الناس من مال يغطون به نفقات المخدرات أو الكحول. لا أعرف إلى أي مدى تتعامل السلطات في المملكة مع شحاذي الإنترنت، ظاهرة جديدة، ما الاتجاه الذي ستتطور فيه هذه الظاهرة وكيف سيكون أثرها على المجتمع، أخشى أن تنبت لنا فئة خطيرة تعتمد على النصب باسم الشحاذة، أتمنى من جهات الدراسات أن تدرس هذه الظاهرة، وأن تتنبأ بمستقبلها قبل أن تصبح واقعاً يصعب استئصاله.