كتبت هتان المرأة المتزوجة والأم لطفلين في تغريدة لها -عدة أجزاء- ذات مساء ودون مناسبة معلنة للآخرين: "لم اعتد أبداً أن أفاوض مشاعري على أن تغلق أبوابها يوماً بوجه الحُب، لكنني بكل تأكيد سأفعل هذه المرة لطالما أن العالم الذي أخبرتني عنه يوماً ما كان وهماً، وبأن الحُب لا يعيش على بقايا مخلفات الأكاذيب التي تنسجها أخبار القصص غير الحقيقية، عن حُب لا يأتي إلاّ وهو مكبل اليدين، مغمض العينين، سأبقى في كل نهار أرقب الطريق الذي شق خطواته نحوك ثم وجدتني أصل إلى القناعة التي تؤكد لي بأن حتى المشاعر الصادقة يمكن لها أن تغشنا؛ لأن هذا الصدق كان من طرف واحد فقط". مجازة للجميع ليست هتان وحدها من تكتب بكل هذا البوح عن مشاعر ربما تخصها أو تخص غيرها بشكل معلن عبر قنوات التواصل الاجتماعي، فحالة البوح أصبحت مجازة للجميع ويفضلها المجتمع الذي كان يوماً ما يضع المحاذير لحالات البوح تلك ويغلق عليها الأبواب، إلاّ أن التغيير الذي صاحب ظهور مواقع التواصل الاجتماعي والذي غيّر كثيراً من رأي العامة من الناس حول من يكتب عن أشيائه الخاصة، أصبحت تظهر بشكل كبير حتى وصلت إلى كل تفصيلة في حياته مهما كانت صغيرة، فعلى الرغم من أن البوح حالة صحية لاسيما حينما تخرج مشاعر جميلة يمكن أن تقرأ ويمكن لها أن توظف في تنمية الذائقة الإنسانية والاستمتاع بمخرجات الإنسان الذي يعيش الحياة بتلقائية فيتحدث عن مشاعر حزنه ومشاعر حبه ومشاعر قبوله ورفضه وهذا هو الأساس في الإنسان، إلاّ أن المشكلة حينما يتحول هذا البوح إلى حالة من الإشهار للشهرة أو الإعلان رغبة في الإعلان، وهذا ما أصبح ملحوظا في قنوات التواصل الاجتماعي حتى التغت الحدود التي يجب أن يضعها البعض لما يعيشونه ويشعرون به، فحتى العزاء وحرمته فقد هيبته وأصبح مشاهير التواصل الاجتماعي يلتقطون الصور وهم يذرفون الدموع وهم يبكون لفقد القريب الحبيب ويتواصلون مع المتابعين في أقصى لحظات الشعور بالحزن، فكيف يمكن أن يتم تفسير مثل هذا النوع من البوح؟ وهل البوح عن المشاعر بالفقد أو الحزن أو الفرح يدل على الجوع العاطفي لدى المجتمع الذي أصبح يتحدث كثيراً عما يحدث معه وما يشعر به؟ أم أن البوح هنا يحدث رغبة في لفت الأنظار وزيادة عدد المتابعين والمعجبين؟ جميلة وصحية ورأت أروى الغلاييني -كاتبة روائية- أن التعبير عن المشاعر والبوح بها في مواقع التواصل الاجتماعي يعتبر حالة جميلة وصحية، إلاّ أن السؤال المهم يكمن في الشخص الذي يعبر عن تلك المشاعر يعبر عنها لمن؟ فللأسف أن هناك مشاعر توجه للشخص الخطأ، وهنا المشكلة، وهذا يحدث حتى على مستوى الأبناء، فنجد أن هناك فتاة على سبيل المثال تعبر عن مشاعرها ولكن ليس لأبيها أو أخيها أو أمها، لكن لشخص ما تكن له مشاعر حتى تشبع تلك المشاعر، إلاّ أنه في المقابل توجد حالات للتعبير عن المشاعر والبوح في قنوات التواصل الاجتماعي هي حالات صحية كرجل يعبر عن حبه لزوجته الراحلة والتي يشعر بالوفاء لها، وهذا ما أكدته والدة الغلاييني في البحث الذي عكفت على إعداده في رسالة الماجستير والذي يحمل عنوان "غزل الحليلة" وليس الخليلة، فالمسلمون يتغزلون في زوجاتهم وليس في خليلاتهم وهذا موجود منذ القدم، مبينةً أنه في الأعوام الماضية كانت هناك سطوة على الإسلام وحقيقته، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- حينما سألوه: "من أحب الناس إليك؟"، قال: "عائشة"، وحينما سألوه من الرجال: قال: "أبوها"، فنسب أعظم الرجال في الاسلام وهو أبو بكر إلى السيدة عائشة لفرط محبته لها، فالبوح عن المشاعر موجود منذ القدم والإعلان عنه أيضا كان موجودا، ولكن ما حدث أن التقاليد زحفت على جمال الإسلام والعلاقات التي تدخل ضمن الحلال، مشيرةً إلى أنه أحياناً ترغب المرأة في التعبير عن مشاعرها تجاه زوجها ولكنها تخشى من المجتمع، على الرغم أن الكثير قام بذلك كما فعل عبدالله بن إدريس بكتابة قصيدته الجميلة التي كتبها في زوجته حينما سألها: من سيرحل أولا أنا أم أنت؟ فهذه مشاعر جميلة من الجمال أن تخرج للناس. مراقبة وتأمل وأوضحت أروى الغلاييني أن الجانب السلبي في البوح حينما نوجه حالة البوح عن مشاعرنا للغرباء ونغفلها مع المقربين، وهذا يحدث لأن الإنسان بطبيعته لديه رغبة دائمة عن التعبير عن ما يشعر دون أن يقابل ذلك البوح توجيه أو نصيحة أو نقد، فالناس يفضلون البوح في قنوات التواصل الاجتماعي؛ لأنها تكتب وتعبر عمّا تشعر بلغة بسيطة أو مفككة ولا يوجد هناك من يصحح أو ينتقد ذلك البوح، لذلك الجميع يفضل أن يبوح عن مشاعره في "تويتر" أو غيره، مضيفةً أن ما يفعله بعض الأشخاص في التعبير عن حالة الحزن في حالة العزاء أو غيره وتصويره لمشاهد الحزن والبكاء والعزاء هو نوع من السلوى التي يشعر بها الشخص، فمن غير المنطق أن يكون في مثل هذه المشاعر متاجرة لجذب متابعين أكثر، ولكن الشيء المجاني لا يأتي إلاّ بكل ما هو مجاني، فالإنترنت مفتوح ومتاح، والمشاعر لدى البعض أصبحت حالة مجانية ومفتوحة، إلاّ أن التغيير لابد أن يحدث من خلال قرار الشخص أن يضع حدودا لحالات البوح التي يكتبها أو يتحدث عنها عند العامة، وفي النهاية هي حالة نسبية تختلف من شخص لآخر، فالبعض يجد في البوح الذي يقوم به عن مشاعره ليس له حد، في حين يرى البعض أنه لا بد من وضع حدود لحالات البوح التي يكتب عنها، فالموضوع نسبي بحسب ظروف الأفراد، ذاكرةً أنه من الضروري أن يكون هناك مراقبة وتأمل للنفس وللخطوط التي يجب أن تقف بها. وأضافت أن تعبير الأفراد عن مشاعرهم بشكل كبير في قنوات التواصل الاجتماعي لا تعكس أننا مجتمع لديه جوع عاطفي، إنما التعبير الأصح أننا مجتمع لديه عاطفة عوراء، فالعاطفة موجودة ولكنها متوجهة إلى غير مكانها الصحيح، فحتى عاطفتنا مع أبنائنا لا تخرج بالشكل الطبيعي وتوجه لهم بالشكل الصحيح، مؤكدةً على أن العاطفة يجب أن تخرج في موضعها ولمن يستحقها. البعض يخشى نظرة المجتمع في التعبير عن الحُب