الحب الذي يصنعه الفراق لا يستحق أن يكون في قلبك.. ولا ينتظر منك أن تمنحه عقلك قبل عاطفتك.. هو حب يمضي حتى لا يعود، وحين يصل إلى مبتغاه تتساقط أوراقه على «حائط المصلحة» الذي يكتب فيه نهاية قلبه.. ثم يسير في اتجاه آخر ليرى بقية أوراقه «تذروها الرياح» في عالم آخر.. وأكثر من حائط.. وفي كل مرة يحاول يجد قلبه ملّ الحكاية.. وجروحه مبللة.. بعدها يفكر أن يعود إلى «حبه الأول» ولا يجده.. حينها يدرك أن انتفاضة مشاعره تأخرت عند نقاط تفتيش «الخيانة»، و»ممرات الخذلان»، و»انكسار القلب» الذي يردد: ياليت ربي ما خلق حب وفراق والا خلق حب على غير فرقا بعض الشباب والفتيات «فاهمين الحب غلط» وعاشوا أحلاماً وردية لم تتحقق.. وصُدموا ب «الفراق» من طرف واحد خذلان الحب يبقى الألم العاطفي وقعه كبير جداً في عالمك.. من الصعب تجاوزه، فهو ذلك الجرح الغائر الذي ينزف طول العمر دون أن يتوقف.. يقضي على زرقة السماء بداخلك.. ويوقف سيلان النهر بقلبك.. ويبقى الخذلان ممن نحب أمرا في غاية الصعوبة، بل إنه الوجع الذي تبقى محتفظا به بداخل جيوبك، وقريباً من أكمامك، بل ربما شممته مع العطر الذي تتعطر به كل صباح.. الخذلان في الحب لا يأتي من الخيانة فقط، أو من التخلي فقط، أو من الإساءة الفعلية والفهم الخاطئ.. هناك حب يمنحك في الحياة كل شيء.. في حين تأتي أنواع من الحب يأخذ فقط، ويخاف أن يتحمل مسؤوليته في ذلك الحب، فالحب قرار لا فرار، قرار في غاية الصعوبة، ليس قرار عقل، لكنه قرار قلب.. تلك العجلة التي لا تملك حيالها أن توجهها كيفما تشاء، يهرب منك هذا القلب حينما تقرر بعقلك أن تمسك به وتزج به بداخل قفص حديدي حتى لا يعاود الرجوع لحبيبه، تنهره، وتعنفه، وتهدد باسم جميع الانقلابات الكونية بأن تمزقه حينما يقل «عقله» ويعود لكنك عبثاً تحاول؛ لأنه المكان الوحيد الذي لا يمكن أن تحدد عدد ضيوفه، أو في أي المقاعد لا بد أن يجلسوا، وأي أنواع الحلوى العاطفية لا بد أن تخص لأحد دون الآخر وكيف سيكون مذاق قهوة الوفاء، ولا يمكنك أن تبدل قناعته، أو ربما جربت أن تفرض عليه سياسة في التعامل حتى حينما تكتشف بأن -بعض- من نحبهم في الحياة لا يستحقون ذلك الحب، أو ربما حينما تصدم بأنك أكبر النعم لهم في حين أنهم متاع ثقيل في الطريق.. القلب «فرخ صغير» لديه القدرة أن يقفز في أكثر الأماكن الشائكة والضيقة والخطرة، فينقر أصبعك حينما تجرب أن تؤذيه، وربما سبح في الموج وضد الموج فقط؛ لأنه «يحب»، لكنه لا يملك أن يطير بقيود البعض! حامد: زوجتي تحب مالي ولا تبادلني الحب الصادق.. أن تحب فمعناه أن تتحول لكائن معتوه تضيع ذاكرتك القديمة لتستعيض عنها بابتسامة من تحب.. يمرض الحب في حياتنا حينما تختل موازينه، لكنه حتما يموت حينما تبنى مواقفه على «المصالح الشخصية» حينما تشعر بأنك مستهدف دائماً من قبل من تحب للاستغلال، وأن المصلحة وحدها تحدد مقدار الشوق، ومقدار القرب، ومقدار امتداد ذلك الحب.. أنه حب «مسيلمة» الكذّاب الذي يدعيه البعض للحصول على مصالحهم الشخصية.. وعلى الرغم من أنني لم أسمح يوماً أن يتسلل لقلبي هذا النوع من الحب، أو أن يدخل لعالمي من يستطيع أن يستغلني باسم الحب.. إلاّ أن هناك من الأشخاص في الحياة -وهم كثر- من ترك العنان لقلبه أن يوقع به في شبكة صيّاد، مستغل يأخذ منه من المصالح المتنوعة ماشاء باسم الحب.. وعلى الرغم من أن الحب شعور لا يمكن أن يسخر للأشياء السيئة في الحياة، وهو كذلك لا بد أن يكون الحالة التي لا تدخلنا في الضرر، أو تخريب الأوطان الجميلة التي بداخلنا، إلاّ أن البعض يعتقد أن ما يشعره تجاه طرف آخر هو -حقيقة- حب فيطلق له العنان أن يجعله أسيراً لطرف ثان لا يفكر سوى بكيف يستغله في الحياة ويحصل عليه بقدر كبير من الفوائد «أيا كانت تلك الفوائد».. فتشوه وجه الحب وربما مات لدى البعض بالسكتة القلبية.. هناء: صدّقه قلبي ومنحته 30 ألف ريال ثم «ضحك عليّ» حب مصالح تشويه الحب بالمصالح الشخصية حالة عاشها «صلاح إسماعيل» في منتصف طريق حياته كما يصف ذلك.. فقد تعرف صلاح على فتاة كانت تربطه بها «علاقة عمل» فوظيفته في إحدى القطاعات الخاصة تتيح له أن يتصل ببعض زميلاته في نطاق العمل في الأقسام النسائية حتى ينسق معها بعض الأمور وتبادل المعلومات والبيانات.وفي تلك الفترة -يصف- «صلاح» حالة الحب الحقيقي الذي شعر به تجاه زميلته التي بدت في حديثها معه بأنها في غاية التأدب، وقد قرر أن يرتبط بها بشكل شرعي حتى يبني علاقة سليمة معها، لكن هناك من اقترح عليه أن يفهمها بتبادل الأحاديث قبل التقدم لخطبتها، خاض صلاح تجربة الحب مع تلك الفتاة، وفي كل مرة يشعر أن هناك شيئا غير مفهوم له، أو ربما لا يقبله، فتلك الفتاة تطلب منه دائماً أن يتولى عنها تخليص بعض المعاملات، وربما طلبت منه أن يساعد إحدى أقاربها في الحصول على وظيفة في القسم الرجالي، حتى وصل الحال أن تطلب وجبة فطور متنوعة وحافلة لها ولزميلاتها وتطلب منه «الدفع» باسم «الدلع».وبدأ يشعر صلاح الذي يحمل بداخله حبا نزيها وصادقا أن هناك شعوراً قبيحاً بدأ يرافق ذلك الحب، وأن طعم الاستغلال أصبح يتسرب بين بساتين ذلك الحب فيميت مختلف الزهور بداخله، حتى قرر أن يضع تلك «الحبيبة» في اختبار، فاتصل بها ليخبرها أنه في ضائقة مالية وأنه يرغب مساعدتها -باسم ذلك الحب- وقد أبدت استعدادها وتفاعلها، فسعد كثيراً وبدأ يشعر أن ظنونه في بناء حبها على المصلحة خاطئ، لكنه تفاجأ في اليوم الثاني أنها لا ترد على اتصالاته، وحينما حاول ذلك كثيراً اتصلت به زميلتها في العمل لتخبره أنها موكله من تلك الفتاة بإخباره أنها لا ترغب في التواصل معه؛ معبرة بذلك بقولها «خلاص غيّر الشريحة».. فشعر صلاح أن وجه الحب تشوه بداخله، وأن المصالح الشخصية أصبحت من تدفع الناس للكذب والغش حتى إن كان باسم الحب.. د. العويضة: مضطربون نفسياً ومشاعرهم متبلدة وعاجزة.. مصالح إلكترونية تعيش تجربة «المصالح» باسم الحب «هناء عبد العزيز» -التي تعاملت مع شاب تعرفت عليه عن طريق الإنترنت وقد صدقته كثيراً- واعتقدت أن الحب من الممكن أن يأتي بتلك الطرق الساذجة من التعارف، وقد بدا لها أنه شاب مثقف ولديه من المعتقدات والأفكار ما يدفعها لأن تثق به، وقد استطاع من خلال ذلك التواصل أن يكتشف أنها «موظفة»، وأنها تحصل على دخل جيد من خلال تلك الوظيفة، حتى خطط لأن يقتحم قلبها بذريعة الحب الذي صدقته، لكنه أخذ مع مرور الوقت يبدي له حزنه، وأنه يمر بظروف صعبه مالية، وأنه لا يريد أن يزعجها بأحاديثه لكنه مضطر لذلك فهي لفتاة التي سيختارها زوجة له في يوم من الأيام، ولا بد أن لا يخفي عليها ظروفه المالية. صلاح: أعطيتها مالي وروحي وفي الآخر «غيّرت رقمها» وقد استطاع أن يقنعها بمساعدتها المالية له والتي رفضها في بداية الأمر، وحينما أصرت أخذ يحصل من خلالها على المال بحجة أن سيارته معطلة في الورشة، أو أن أباه مريض ويحتاج للعلاج، أو أنه لا يملك مالاً لكي يسدد ديون أخيه الذي سيسجن، ونخوته كأخ تمنعه من الوقوف كالمتفرج، وغيرها من الحيل؛ حتى استطاع أن يحصل منها على أكثر من «30 ألف ريال» خلال شهرين فقط، ومع ملاحظة الطلبات الدائمة صارحته بأنها لا ترغب في تقديم المساعدة أكثر، وأن عليه أن يتدبر أمره، وبعد أيام لاحظت أن ذلك الشاب اختفى كلياً، فلم يعد يتواصل معها عبر المواقع الإلكترونية، وحينما اتصلت به وجدته «غيّر الرقم» فأدركت أنها كانت فريسة سهلة في يد مستغل من خلال الحب. مصالح الزوجين ويرى «حامد ظافر» أن المصالح في الحب لا تظهر فقط بين المتعارفين من الجنسين خارج دائرة الزواج، وأن هناك من الزوجين من يستغل حب شريكه في الحياة ليحقق مصالحه الخاصة، وذلك أسوأ أنواع استغلال الحب؛ لأن الحب هنا يكون متوجاً بإطار الزوجية التي لا بد أن يرتقي بها الزوجان عن أي ما يمكن أن يجهضها، فعلى الرغم من أن «حامد» مازال مستمرا في ذلك الزواج، إلاّ أنه يشعر أن هناك حاجزاً كبيراً أصبح موجودا بينه وبين زوجته، فقد دخل في عالم الأعمال الحرة والتجارة ونجح واستطاع أن يحقق الكثير من الثروة التي بدأت في التوسع. الفتاة تدفع ثمن «حب مسيلمة» أكثر من الرجل وفي كل مرة تتسع فيها تجارته يشعر أن هناك تغييراً كبيراً يتمدد أيضاً داخل زوجته، التي أصبحت طلاباتها المادية كثيرة، فقد كان في بداية الأمر لا يلاحظ ذلك التحول في شخصية زوجته، وأنها أصبحت ترغب في امتلاك شيء خاص بها، ففتح مشروعاً لها، ثم طلبت أن تقتني منزلاً فخماً في بيروت، فاشترى لها، ثم طلبت أن تمتلك عمارة سكنية في أفخم مدينة في منطقتها، فحقق لها ذلك؛ حتى بدأ يشعر أن العلاقة بينهما أصبحت قائمة على المصالح، فلم يعد يسمع منها «كلمة طيبة»، إلاّ حينما تريد أن يشتري لها شيئا. وعلى الرغم من الحب الكبير الذي كان يكنه بداخله لتلك الزوجة، إلاّ أنه أصبح يشعر أن هناك حالة من «الانهدام» لذلك الحب بداخله، فالمصلحة غيّرت طعم وإحساس الحب، وأصبح يشعر أن زوجته تدعي الحب لتحصل على مصالحها الشخصية، حتى اتخذ قراراً بتغيير سياسة الحب معها، وتحويلها إلى سياسة العقل، موضحاً أن المصلحة الشخصية حينما تدخل في دائرة الحب؛ فإنه يتحول إلى لعنة تلتهم جميع المشاعر الجميلة، وأنه أصبح يشعر بالاشمئزاز من زوجته، وأن هناك حاجزاً كبيراً بينهما لا يستطيع أن يخترقه، فأصعب شيء حينما يشعر الرجل أنه مستغل باسم حبه لامرأة حتى إن كانت تلك المرأة الحبيبة الوحيدة في حياته، ثم أصعب شيء أن ينزل الحب إلى هذا المستوى المتدني من التعاطي؛ لأنه قيمة ثمينة نادراً ماتوهب لأحد. د. سلطان العويضة مضطربون نفسياً! وعلّق «أ. د. سلطان بن موسى العويضة» -أستاذ واستشاري علم النفس بجامعة الملك سعود- على القصص والمواقف السابقة، وقال:»لا توجد إجابة جامعة مانعة يمكن تعميمها في عالم العلاقات الإنسانية، فلكل علاقة ظروفها ويختلف الناس في أبنيتهم النفسية حسب الفروق الفردية من ذكاء، وتعلم، ونضج انفعالي»، متمنياً أن لا يشكل ذلك النوع من العلاقات التي تُبنى على المصالح ظاهرة بل يعد استثناء. واضاف: «لا توجد علاقة إنسانية منزوعة المصلحة؛ فأقدس علاقة من الممكن التأمل بها والاعتبار لها تكمن في العلاقة مع الأم، ومع ذلك فيتشكل شيء من المصلحة في تلك العلاقة السامية، فالأم تشبع من خلالها غريزة الأمومة، والطفل يعدها ملاذاً لإشباع حاجته الأولية في الصغر، وإشباع حاجاته النفسية في الكبر»، موضحاً أن ذلك ما ينطبق في العلاقات الزوجية، فالعلاقة أيضاً تعد مصدراًَ أساسياً من مصادر الإحساس بالرشد وإشباع الحاجة إلى الانتماء وإشباع الحاجة الجنسية وصقل الهوية الاجتماعية، ولكن السؤال الأهم يكمن في: ماذا عن أولئك الذين يتسلقون من خلال علاقاتهم بالآخرين ليصلوا لغايات أنانية صرفة؟. وأجاب «د. العويضة» قائلاً: «هؤلاء مضطربون نفسياً، وبعضهم نجد أن لديه (شخصيات سيكوباتية)، وهي الشخصية المضادة للمجتمع، وتتميز بتبلد المشاعر في الأعماق، وصناعة دفء المشاعر وحميميتها، ويجسدها بوضوح الذكور والإناث العاجزون عن إعطاء الحب وعن استقباله».