تستمر أسواق النفط بالبقاء ضمن حالات استقرار متزنة يمكن التعاطي معها دون أي ضغوط على منتجي الخام ومستهلكيه، لا سيمّا أن الأسواق العالمية متفائلة بشأن نمو الاقتصاد العالمي ومتانة الطلب على النفط، فالأسعار النفطية في تداولات الأسبوعين الماضيين كانت مستقرة ضمن نطاق 62 - 64 دولاراً لخام الإشارة برنت، ما يعكس استمرار تأثير اتفاق الخفض OPEC+ في الحفاظ على الأسواق من حالات الاضطراب، كتلك التي قَدِمت بها الأسواق من الربع الأخير للعام 2018م، ويَحكم مسار الأسواق النفطية عدّة معطيات ولكن العامل الأهم تأثيراً هو اتفاق خفض OPEC+ الذي ما زال يعمل على منع زيادة التضخّم في الفوائض النفطية بالأسواق، فعلى الرغم من تنوّع العوامل المؤثرة في الأسواق منذ بداية العام الجاري 2019م إلى الآن إلا أنه كان الأقوى تأثيراً وإدارةً للأسواق التي شهدت مساراً تصاعدياً في أسعار خام الإشارة برنت من 54 دولاراً في الأول من يناير الماضي لأعلى نقطة كانت مطلع الربع الثاني الماضي 22 - 25 أبريل عند 74 دولاراً وذلك ضمن أعلى ارتفاع حققه خام برنت في النصف الأول من العام الجاري بمقدار 20 دولاراً، عقب حالة الاضطراب المتسارعة التي حدثت في الربع الأخير من العام الماضي 2018م ، وتدهور أسعار النفط التي ولجت في سلسلة تراجع كبيرة من مستوى 85 دولاراً في الأول من أكتوبر الماضي إلى قاع ال 50 دولاراً قبيل نهاية ديسمبر للعام ذاته. التوصيف والتحليل بأوساط الصناعة النفطية للأسواق العالمية متباين إلى حدٍ كبير في الإعلام المحلّي والغربي، فالأخير غالباً ما يكون بعيداً عن الواقعية، فتداول مصطلح "التوازن الهشّ" للأسواق لا يعكس حقيقة الأمر لأسباب عدّة يمكن الوقوف معها منذ بداية العام الجاري 2019م أولها أن التصاعد السعري لخام برنت من مستوى ال 50 دولاراً في 26 ديسمبر إلى نهاية تداولات الأسبوع المنصرم (بتجاهل النقطة العليا لخام برنت) لا يمكن بناؤها على عوامل هشّة، ثانياً الأسواق النفطية لا تزال ضمن حالة من الاستقرار على الرغم من عوامل الضغط التي تتعرض لها، وأسعار مستقرة ضمن نطاق (60 - 65) دولاراً منذ الربع الثاني من العام إلى الآن باستثناء حالة تصاعدية مؤقتة للأسعار لامست فيها ال 74 دولاراً (22 - 25) أبريل الماضي، ما يعكس فاعلية الدور الذي يمثله اتفاق OPEC+ في استقرار السوق النفطية والتزام الأعضاء بمستويات الإنتاج الطوعية، حيث يبلغ مجموع الإنتاج الطوعي للدول الأعضاء في اتفاق OPEC + 43.874 مليون برميل يوميا ، وقد كانت بيانات الإنتاج كالتالي في شهر يناير الماضي بلغ إنتاج الأعضاء 44.202 مليون برميل يومياً وفبراير 44.018 مليون برميل يومياً ومارس 43.595 مليون برميل يومياً، أما بيانات الإنتاج للربع الثاني فكانت كما يلي شهر أبريل 43.533 مليون برميل يومياً ومايو 43.592 مليون برميل يومياً وأخيراً يونيو 43.462 مليون برميل يومياً، وتعكس هذه البيانات حجم الالتزام المتصاعد فيما بين الدول الأعضاء ورفع مستوياته، فقد رفعت الدول الأعضاء حجم الالتزام بالاتفاق ما بين شهري يناير وفبراير الماضيين بمقدار 184 ألف برميل يومياً، وما بين شهري فبراير ومارس 423 ألف برميل يومياً، وما بين مارس وأبريل 62 ألف برميل يومياً، وشهري مايو ويونيو فقد كانت بيانات الإنتاج أقل مستوى الإنتاج الطوعي ففي شهر مايو كان أقل من الإنتاج الطوعي ب 282 ألف برميل يومياً، وإنتاج شهر يونيو أقل ب 412 ألف برميل يومياً، وبطبيعة الحال ستعزز بكل تأكيد هذه المستويات من قوة استقرار أسواق النفط واستمرار حالات الاتزّان التي تعيشها الأسواق منذ مطلع الربع الثاني من العام الجاري 2019م، كما تظل عمليات التنبؤ بمستقبل الأسواق غير مؤكدة في أوساط الصناعة إلا أن دلالات العوامل المؤثرة تشير إلى أن السوق النفطية لن تذهب بعيداً عن مسارها الحالي بقية الربع الثالث على أقل تقدير، ما يلوح في الأفق هو تباطؤ الإنتاج للنفط الصخري بالولايات المتحدة الأميركية، حيث تشير البيانات الواردة إلى أن عدد الحفارات النفطية النشطة 779 من 885 في بداية العام الجاري 2019م أي أدنى مستوى في 17 شهراً، إلا أن ذلك إلى الآن لا يمكن التعويل عليه في إحداث تغيرات جديدة بالأسواق النفطية، فلا بد من التريّث كي تكتمل الصورة بشكل أوضح لتقييم مدى تأثير ذلك على أسواق النفط، حيث أن أي تطورات مستقبلية في هذا الشأن سيكون تأثيرها في جانبين بالأسواق النفطية الأول ارتفاع الأسعار بقدر حجم التطورات التي قد تحدث في هذا القطاع، والآخر إعادة ترتيب موازنة أنواع النفوط بالأسواق العالمية (الخفيفة والثقيلة)، وكل ذلك لا يمكن التعويل عليه كعامل تأثير في هذا الوقت المبكّر جداً.