يسير الغريب في هذه الأرض الأفريقية القصيّة، بلاد يشي كل شيء فيها بوضوح أنها تتلمس طريقاً نحو الخروج من دوامة التخلف، لكن وفق طابعها الخاص وتنوعها الثقافي والعرقي، حتى تفاجئه كثرة المنظمات والمقرات الإيرانية التركية. شيء ما لا يبدو صحيحاً في المشهد.تتنافس القوى التركية والإيرانية ووكلاؤها على اقتطاع مساحات من النفوذ في القارة الأفريقية، وتوظف العمل الإنساني غير آبهة بما تشعله من حرائق، في بلدان تتشعب فيها الأعراق والأديان والتقاليد بشكل خطر. تحزنك هذه الثغرات التي يحفرها الفقر والجهل في نسيج مجتمعات أفريقيا، فتتركها مكشوفة أمام حركات الاستغلال البشع في سبيل الأجندات التوسعية. فما هذه الحركات إلا جزء من استراتيجية استعمارية شاملة. خطوة ناعمة تمهد الطريق نحو التحكم في المصائر واختطاف القرار من دون طلقة رصاصة واحدة. كل هذا باسم الإسلام وإنسانية الدين، هنا تكمن المأساة. لكن، وأمام الحزن، هناك مساحة تتوسع وتضيء، عزاء وسلوى تشهده في الحراك الأخير الذي بدأت تواجه به رابطة العالم الإسلامي هذا القفز على حاجات الناس وعواطفهم. هذه التحركات المسيسة المتلبسة باسم الدين والعمل الإنساني. تحاول الرابطة أن تكافح ظاهرة تسييس العمل الإسلامي والعطاء الإنساني، إدراكاً أنها تسيء للاثنين في المحصلة لا محالة. وهي حين تفعل تقدم خدمات جليلة للإسلام وللإنسانية، وتستعيد زمام المبادرة للفاعلية الإسلامية الحقيقية التي تحلق بأجنحة السلام لا تنقض بمخالب الاستغلال. جهد استثنائي تقوم عليه الرابطة في أفريقيا؛ منظم وذو مسارات متعددة، بينها عمل إنساني ورعوي يتبع نهجاً إسلامياً راسخاً يحرص ويشدد على خدمة الجميع من دون أي اعتبارات دينية أو عرقية، والأهم من ذلك الحراك الفكري الذي تقوده في سبيل وئام وتعايش واندماج أبناء القارة السمراء، حيث الأقليات الدينية والعرقية وصراع الهويات والتعدديات الوطنية. إنه عمل يقطع الطريق على تجار الأزمات، من يستغلون، باسم الدين، حاجات الناس وضعفهم الفكري والمعيشي، من أجل طموحات هوجاء.